الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 161 ] الفصل الثالث : في الواجب عنه . وفي ( الجواهر ) : هو كل من وجبت نفقته بملك أو قرابة أو نكاح ، إلا الكافر ، والبائن الحامل ، وقال ( ش ) و ( ح ) : لا تجب عن الزوجة ; لأنها في معنى المعاملة ، وكالمستأجر بنفقته ، ووافقنا ( ش ) في الزوجة خلافا لـ ( ح ) .

                                                                                                                فروع ثمانية :

                                                                                                                الأول ، في ( الكتاب ) : يؤديها عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للقنية ، قيمتهم نصابا أو أقل ، أصحاء أو مرضى ، مجذمين أو عميانا ، ووافق ( ش ) في عبيد التجارة ، خلافا ل ( ح ) ومن له بعض عبد لا يؤديها إلا عن حصته ، كان باقيه رقيقا أو حرا ، ولا شيء على العبد فيما كان منه معتقا ، ولا على المكاتب بل على سيده ، خلافا للأئمة ، ولا يزكي عن الآبق إلا أن يرتجى لقربه ، وزكاة القراض على رب المال ، وقال أشهب : إذا بيعوا فربح فيهم مثل الثلث من الثمن فعلى العامل سدس تلك الزكاة ، أو الربع ، فعليه الثمن إن قارضه على النصف ، والأصل في هذا الباب : قوله عليه السلام : ( على كل حر أو عبد ) الحديث المتقدم ، ولقوله : ( أدوا الزكاة عمن تمونون ) فلم يخرج من ذلك المستأجر بنفقته ، قاله اللخمي ، وهي واجبة عندنا على السيد بالأصالة ، وعند الشافعية بطريق التحمل على العبد ، والرق والمالكية سبب التحمل قالوا : لأن العبد لو كان كافرا لم يجب على السيد شيء ، وجوابهم : أن الكافر ليس أهلا للتطهير ، ولو كان بطريق التحمل : لاختلف باختلاف فقر العبد وغناه ، قال سند : لو أعتقهم عند زمانتهم صح العتق إجماعا ، وفي سقوط نفقتهم خلاف ، وأما المشترك : فوافق المشهور ( ش ) وابن حنبل ، وفي ( الجواهر ) : قال عبد الملك : على كل واحد من الشريكين [ ص: 162 ] صاع كامل ، وقيل : يخرج كل واحد نصف صاع ، ولم يعتبر النصاب وأسقطها ( ح ) مطلقا لعدم الولاية ، ولو كان حر وعبد ، قيل : على الحر حصته فقط ، وقال مطرف : بل جملتها ، وجه المذهب : أنها تابعة للنفقة ، فهي متبعضة فتتبعض .

                                                                                                                نظائر ، قال أبو عمران في نظائره : ثلاثة مسائل تعتبر فيها الأنصباء : الفطرة عن العبد المشترك ، والشفعة ، والتقويم في العتق ، وست مسائل تختص بالرءوس دون الأنصباء : أجرة القاسم ، وكانس المراحيض ، وحارس أعدال المتاع ، وبيوت الغلات ، وأجرة السقي على المشهور ، وحارس الدابة ، والصيد ، ولا يعتبر فيه كثرة الكلاب ، وزاد العبدي : كنس السواقي ، قال سند : وأما المعتق بعضه فخمسة أقوال : مذهب ( الكتاب ) : المتقدم وروى عبد الملك أن جميعها على السيد ; لأنها لا تتبعض ، والمعتق بعضه ليس أهلا للزكاة لرق بعضه ، فتعين الكل على السيد ، ( وروي عنه : على السيد ) بقدر ملكه ، والمعتق بقدر ما أعتق منه . وقاله ( ش ) وابن حنبل ; لأن المعتق كالشريك لقسمته مع المنافع والنفقة ، وقال ابن مسلمة : إن كان للعبد مال فكذلك ، وإلا فعلى السيد الجميع ; لأن الزكاة تبع لليسار ، وأسقطها ( ح ) عنهما بناء على أصله في استسعاء العبد لتكملة العتق ، وأما المكاتب : فروي عن مالك و ( ش ) و ( ح ) : سقوطها مطلقا لنقصان ملك السيد لحرزه ماله نفسه ، وخصصها ابن حنبل به في كسبه كنفقته ، قال : ولا يبعد تخريج مثله على قول مالك فيمن بعضه حر ، وقال ( ح ) : يزكى عن الكافر ، لما يروى عنه عليه السلام أنه قال : ( أدوا زكاة الفطر عن كل حر أو عبد صغير أو كبير ، يهودي [ ص: 163 ] أو نصراني أو مجوسي ، نصف صاع من بر ) وقياسا على رقيق التجارة ، والجواب عن الأول : أنه غير معروف في كتب الحديث ، وعن الثاني : أن المزكي ثم القيم لا الرقيق ، ويؤكد قولنا قوله عليه السلام في ( الموطأ ) : ( من المسلمين ) ، والقياس على الأب الكافر ، فلو كان السيد كافرا وأسلم عبده ولم ينزع من يده : قال مالك و ( ح ) : لا يجب عليه شيء ، خلافا لـ ( ش ) وابن حنبل ; لأن الكافر غير مخاطب فيخرج من العموم ، فلو ارتد المسلم وقت الوجوب ثم تاب بعده سقطت زكاة رقيقه عنه عند مالك و ( ح ) وكذلك لو ارتد بعد الوجوب قبل الأداء ، خلافا لـ ( ش ) والخلاف يتخرج على قاعدتين : إسقاط الردة للعمل وإن لم يمت عليها ، وزوال ملكه بالردة ، وأما الآبق ، غير المرجو لا يزكى عنه عند مالك و ( ح ) خلافا لـ ( ش ) قياسا على الأسير ، فلو غاب غير آبق : ففي ( الموازية ) : يزكى عنه وإن طالت غيبته ، لاستصحاب الملك ، والمغصوب في التفرقة بين المرجو وغيره ، وأما رقيق القراض فأربعة أقوال : يؤخذ من مال رب المال ، وهو ظاهر ( الكتاب ) : لتعلقها بالمالك لا بمال القراض ، بخلاف زكاة ماشية القراض ، وقال أشهب : يخرج من مال القراض ; لأنه سبب وجوبها ، ولا يلغى ، بخلاف النفقة ; لأن النفقة لمصلحة المال ، وقال مالك : تلغى كالنفقة ، وروي عنه : تسقط عن النصيبين بناء على أن العامل يملك بالظهور ، قال صاحب ( الاستذكار ) : قال ( ش ) : يزكى عن المغصوب والآبق الميئوس منهما إن علمت حياتهما ، وأسقطها ( ح ) ، وقال مالك : يزكى عن المرهون ، وقال ( ش ) : إن كان عنده وفاء للدين ، وفاضل مائتي درهم زكى وإلا فلا ، والعبد يباع بالخيار يزكي عنه البائع عند مالك ، وقاله ( ش ) ، إن كان الخيار له ، وأنفذ البيع ، وإن كان للمشتري أو لهما : فعلى المشتري ، وقال ( ح ) : على من يصير إليه العبد .

                                                                                                                [ ص: 164 ] الثاني : في ( الكتاب ) : إذا أوصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر : فزكاته عن الموصى له برقبته إن قبل الوصية ، وقاله ( ش ) و ( ح ) لتعلق الزكاة بالعين ، قال سند : وهو الذي رجع إليه ابن القاسم ، والنفقة على المخدم ; لأنها قوام المنفعة ، ولهذا يجب على رفع الأمة إذا بوتت معه بيتا ، وكذلك نفقة الفرس المحبس للجهاد ، والإبل للحمل على من هي تحت يده ، وحكى ابن المواز أن النفقة والزكاة على المخدم طالت المدة أو قصرت ; لأن الإخدام يعتمد الحوز فيضعف الملك ، وقال سحنون : كلاهما على المالك كالعبد المستأجر وتغليبا للعين .

                                                                                                                والرابع : الفرق بين قصر المدة في الخدمة فعلى المالك ، وبين طولها فعلى المخدم كالمحبس ، فلو أخدم عبده ثم هو حر فعلى قولنا : الزكاة تمت عليه ، لا يجب على صاحب المنفعة ها هنا شيء ، كمن آجر عبده وعلق عتقه بفراغ الإجارة ، وتجب على صاحب الرقبة ، وروي عن مالك : تجب على المخدم ; لأنها محبوسة له ، وما للسيد فيها مرجع .

                                                                                                                الثالث في ( الكتاب ) : زكاة العبد زمن الخيار ، والأمة زمن المواضعة ، ونفقتهما على البائع ; لأن ضمانها منه بخلاف المبيع بيعا فاسدا ، وهي في زمن الفطر عند البائع ، والموروث إذا لم يقبض إلا بعد يوم الفطر : فعلى الوارث ، قال سند : أما من يقول : الملك في زمن الخيار للمشتري ، فالزكاة عليه ، ومن قال : هو موقوف رتب الزكاة على الإمضاء والرد ، وقد تقدم الخلاف في زكاته بين الأئمة . وأما المواضعة : فقال أشهب : إن حاضت ليلة الفطر أو يومه ، فعلى كل واحد منها زكاة كاملة ، وكذلك العبد يباع بعهدة الثلاث فتنقضي قبل [ ص: 165 ] يوم الفطر أو ليلته ، ولو تأخرت عن يوم الفطر فهي على البائع فقط ; لأن الزكاة عنده تبع للملك بمجرده ، وكذلك أوجب الزكاة على المعمر المالك وإن لم تكن نفقته عليه ، والملك عنده في المواضعة ، والعهدة للمبتاع ، ووافق في أن الملك في بيع الخيار للبائع ، ولذلك جعل الولد له ، وأما البيع الفاسد : فإن قبض المبتاع العبد وفات : فزكاته عليه لاستقرار ملكه ، وإن لم يفت ، فقال عبد الملك : إن فسخ بحدثان ذلك : فعلى البائع تغليبا لما تقدم من الملك ، وإن فات السيد ملك المبتاع إلى يوم القبض ; لأنه يوم وجوب القيمة ، فيعتبر زمن الفطر حينئذ هل صادف أم لا ؟ وابن القاسم يراعي النفقة والضمان ، وقال أشهب : إن أدركه يوم الفطر غير فائت فعلى البائع وإلا فعلى المبتاع ، فراعى الفوت دون الرد ، وقال أيضا : على كل واحد من البائع والمبتاع صاع كامل ، كما قال في المواضعة نظرا لملك البائع ، وأن النفقة على المبتاع ، وهما سببان للزكاة في العبد الغائب والزوجة .

                                                                                                                الرابع : في ( الكتاب ) : لا يؤديها عن عبد عبده ، خلافا ل ( ش ) و ( ح ) ; لأنه ليس ملكا له ; لأن العبد عندنا يملك ولو أعتق سيده لا يعتق عبد عبده .

                                                                                                                الخامس : في ( الكتاب ) : تسقط زكاة الولد ببلوغ الغلام ودخول البنت على زوجها ، ويدعى للدخول فتنقل إليه ; لأنها عند مالك و ( ش ) وابن حنبل تتبع النفقة ، وعند ( ح ) : تتبع الولاية التامة ، فلا يزكي - عنده - عن والده الفقير ، ولا عن ولده الكبير الزمن ، وإن لزمه نفقتهما ; لعدم الولاية الكاملة . لنا : قوله عليه السلام فيما يروى في الحديث المتقدم : ( . . . عمن تمونون من المسلمين ) بالقياس على النفقة ، ووصف الولاية باطل طردا وعكسا ; لأن المجنون والفاسق لا ولاية لهما مع وجوب الزكاة في مالهما ، والحاكم له الولاية ولا زكاة عليه ، قال : [ ص: 166 ] والولد الصغير الموسر لا تجب على أبيه فطرته عند مالك والأئمة ، وخالف محمد بن الحسن تعلقا بالولاية ، وأما الزوجة : فقال أشهب : إذا دعي إلى البناء فلم يجد ما ينفق بقيت على الأب لبقاء الحاجة ، وإذا أعسر الزوج سقطت عنه النفقة والفطرة ، فإن أيسر بالنفقة فقط لم تلزمه الفطرة كفطرته ، ولا يلزمها ; لأنها لا تلزمها النفقة ، قال أبو طاهر : إذا لم يدع الزوج للدخول ، وسكت عنه ، فهل تجب عليه الفطرة لأن العقد تمكين أم لا ؟ قولان مبنيان على العوائد .

                                                                                                                السادس : في ( الكتاب ) : يزكي عن خادم واحدة من خدم زوجته التي لا بد لها منها للزوم نفقتها وإن كانت الزوجة ملية ، قال سند : إذا كانت يحتاج مثلها إلى خادم خير بين أربعة أشياء : شراء خادم ، أو إكرائها ، أو ينفق على خادمها إذا طلبت ذلك ، أو يخدمها بنفسه ، وهو مختلف فيه عندنا وعند الشافعية لعدم استيفائها المنافع منه ، فتجب عليه الفطرة في الأول دون الثاني ، وفي الثالث ، خلافا لـ ( ح ) محتجا بعدم الولاية ، فإن كانت ذات شرف أخدمها أكثر من خادم ، قاله : ابن القاسم ، ويزكي عن ذلك ، قال أصبغ : إن كانت بنت ملك أخدمها إلى الخمسة ، فلو كان لها خادم واتفقا على الإنفاق عليها ودعا إلى البناء ، قال عبد الملك : عليه فطرتها دون الخادم ; لأن نفقتها بالتمكين ، ونفقة الخادم بخدمة البيت ، ولهذا لو دخل وحاضت الزوجة بقيت نفقتها ، ولو مرضت الخادم سقطت نفقتها ، وهو مخالف لقول ابن القاسم في ( الكتاب ) : فيمن تزوج على خادم بعينها والزوجة لا بد لها من خادم ، فمضى يوم الفطر والخادم عندها ، ولم يحولوا بين الزوج وبينها ، ثم طلقها الزوج ، فزكاة الخادم على الزوج ; لأن الإخدام بعض النفقة فيجب تبعا . مع أن أشهب قال ها هنا : لولا الاستحسان لكان عليه زكاة بعضها إن طلق يوم الفطر ، وهو القياس .

                                                                                                                [ ص: 167 ] السابع : في ( الكتاب ) : إذا أمسك عبيد ولده الصغار لخدمتهم ، ولا مال للولد سواهم أدى الفطرة عنهم مع النفقة من مال الولد وهو العبيد ، لأنه غني بهم ، وإذا كان للعبيد خراج أنفق منه وزكى ، وإن لم يكن لهم خراج وامتنع الأب من النفقة أجبرهم السلطان على بيعهم للإنفاق ، قال سند : إن كان الولد يحتاج للعبد لصغره أو زمانته : فنفقته وفطرته على الأب ، وهو الذي رجع إليه ابن القاسم وأشهب ، وقاله الشافعية : ومذهب ( الكتاب ) : أظهر ، فإنه لا يجب على الأب إخدام خادم معين ، بل يبيع العبد وبخدمه منه .

                                                                                                                الثامن في ( الكتاب ) : يؤديها الوصي عن اليتامى وعن عبيدهم من أموالهم ، وقاله الأئمة ، وإن كان ( ح ) خالف في عبد الصبي وماشيته ، وسلم الفطرة والزرع ، وقد تقدم في أول ( الكتاب ) : أن الخطاب بها من باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف كأروش الجنايات ، وقيم المتلفات ، قال : ومن في حجره يتيم بغير إيصاء وله - عنده - مال ، رفع أمره إلى الإمام ، فإن لم يفعل فهو مصدق إذا بلغ الصبي في نفقة مثله وفطرته ، كانوا عنده أو عند أمهم فينفذ تصرفه ، كما لو أنفق على أولاد الغائب ، أو أدى من دين إنسان .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية