الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك

                                                                                                          قال مالك إن ابن شهاب قال مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها قال مالك والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاءوا قال مالك ولا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف وليؤد إليه بإحسان قال مالك في الصبي الذي لا مال له والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه قال مالك الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا قل أو كثر وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1618 1574 - ( مالك عن يحيى بن سعيد : مثل ذلك ) أي قول ابن شهاب .

                                                                                                          وجاء عن ابن عباس مرفوعا : لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا اعترافا ولا صلحا ولا ما دون الثلث .

                                                                                                          [ ص: 305 ] ( مالك أن ابن شهاب قال : مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول ) عن القاتل على الدية ( أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه ) تساعده ( العاقلة ) إعانة صادرة ( عن طيب نفس منها ) بلا جبر ، وكذا حكم غيرها إذا أعانه فله ذلك .

                                                                                                          ( مالك : والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث ) أي ثلث دية المجني عليه أو الجاني ( فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة ، وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة ) للحديث ، وبه قال الفقهاء السبعة ، وقال الشافعي : تحمل القليل والكثير .

                                                                                                          ( والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص : أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا ، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال ، فإن لم يوجد له مال كان دينا عليه ، وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاءوا ) استثناء منقطع .

                                                                                                          ( ولا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ بشيء ، وعلى ذلك رأى أهل الفقه عندنا ، ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا ) لأنها إنما ثبتت بالسنة في الخطأ وأجمع عليها العلماء وهو مخالف لظاهر قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ( سورة فاطر : الآية 18 ) لكنه خص من عمومها بالسنة والإجماع ، ولما فيه من المصلحة ; لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن يأتي على جميع ماله [ ص: 306 ] لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ، ولو ترك بلا تغريم لأهدر دم المقتول فلا يقاس العمد على ذلك .

                                                                                                          ( ومما يعرف به ذلك أن الله - تبارك وتعالى - قال في كتابه : فمن عفي له ) من القاتلين ( من ) دم ( أخيه ) المقتول ( شيء ) بأن ترك القصاص منه ، وتنكير " شيء " يفيد سقوط القصاص والعفو عن بعضه ومن بعض الورثة ، وفي ذكر أخيه تعطيف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان ، ومن مبتدأ ، شرطية أو موصولة ، والخبر ( فاتباع ) أي فعلى العافي اتباع القاتل ( بالمعروف ) بأن يطالبه بالدية بلا عنف ( و ) على القاتل ( أداء ) الدية ( إليه ) إلى العافي وهو الوارث ( بإحسان ) بلا مطل ولا بخس ( فتفسير ذلك فيما نرى ) بضم النون نظن ( والله أعلم ) بمراده ( أنه من أعطي من أخيه شيئا من العقل ) الدية ( فليتبعه بالمعروف وليؤد إليه القاتل بإحسان ) فدل ذلك على أن دية العمد إنما هي على القاتل ، لأن الأمر إنما هو باتباعه لا عاقلته ، وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما أي القصاص أو العفو وهو المشهور عن مالك ورواية ابن القاسم عنه .

                                                                                                          وروى أشهب عن مالك : الواجب القصاص أو الدية ، واختاره جماعة من المتأخرين لحديث الصحيحين مرفوعا : " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد " ( قال مالك في الصبي الذي لا مال له ، والمرأة التي لا مال لها ، إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث ، أنه ضامن ) أي مضمون كمعيشة راضية أي مرضية ( على الصبي أو المرأة في مالهما خاصة ، إن كان لهما مال أخذ منه ، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه ) لحديث أبي رمثة في ابنه : ولا تجني عليه لا يجني عليك .

                                                                                                          وفي النسائي مرفوعا : لا تجني نفس عن أخرى أي لا يؤخذ أحد بجناية أحد .

                                                                                                          ( والأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل ) بالبناء للمفعول ( كانت فيه القيمة [ ص: 307 ] يوم يقتل ) على قاتله .

                                                                                                          ( ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا قل أو كثر ) لأنها لا تحمل عبدا كما مر في الحديث ( وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية ) أي قدرها ( أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع ) جمع سلعة كسدرة وسدر ، أي بضاعة - بالكسر - قطعة من المال تعد للتجارة .




                                                                                                          الخدمات العلمية