الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك )

وذلك أن الملك المحقق هو أن يحقق تنافيه بإجلال الآباء واحترام الأبناء فيعتق الأبناء والآباء به وغيرهم فيه الخلاف فمن اشترى أباه أو وهب له فقبله ونحو ذلك فقد ملكه ملكا محققا فيعتق عليه .

وأما إن قال لغيره أعتق عن كفارة علي عبدا من عبيدك فأعتق عنه أبا الطالب للعتق الذي عليه الكفارة فإن القاعدة أن العتق يصح وتبرأ ذمته من العتق ويكون الولاء للمعتق عنه فلأجل براءة الذمة وثبوت الولاء يتعين تقدير الملك للمعتق عنه قبل صدور العتق في الزمن الفرد حتى يكون العتق في ملك له فتبرأ ذمته من الكفارة ويصير الولاء له بمقتضى العتق في ملكه فهذا ملك مقدر من قبل صاحب الشرع لضرورة ثبوت الأحكام لا إنه ملك محقق فلا يلزم من هذا الملك المقدر هو أن بالمملوك من جهة من قدر الملك له فإن الواقع أنه لم يملكه وإنما الشرع أعطى هذا الملك المعدوم حكم الموجود والواقع المحقق عدم الملك فلا جرم لا يلزم بهذا الملك المقدر عتق بل يقع عتق والده عن كفارته وتجزئ عنه ، ولو قلنا إنه عتق عليه بالملك لم يجزئ عن الكفارة ؛ لأن المستحق عتقه بسبب غير العتاق عن الكفارة لا يجزئ عتقه عن الكفارة وهذا هو تحقيق الفرق بين القاعدتين .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 25 - 26 ] قال شهاب الدين ( الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك إلى آخره )

قلت : هذا الفرق مبني على لزوم تقدير الملك فيما مثل به وقد تقدم أن تقدير الملك في ذلك ليس باللازم فلا مانع من إجزاء العتق عن المعتق عنه من غير تقدير ملكه لمن أعتقه عنه .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك )

بناء على ما زعمه الأصل من لزوم تقدير الملك للقريب كالأب إذا طلب قريبه كابنه من غيره أن يعتق عن كفارة عليه عبدا من عبيده فأعتق المطلوب عن الطالب أباه في الكفارة التي عليه وأن براءة ذمة الابن من الكفارة التي عليه وصيرورة ولاء أبيه له بعتق مالكه له عنه في كفارته يتوقفان على تقدير الملك للابن المعتق عنه قبل صدور العتق في الزمن الفرد من قبل صاحب الشرع لضرورة ثبوت الأحكام وأن هذا الملك المقدر بضرورة ثبوت الأحكام يفارق الملك المحقق الحاصل بنحو الشراء للآباء أو للأبناء أو لنحوهم في اقتضاء المحقق العتق دون المقدر ؛ لأنه لا يلزم من الملك المقدر هو أن بالمملوك من جهة من قدر الملك له حتى ينافي الإجلال للآباء والاحترام للأبناء ونحوهم المطلوب شرعا كما في المحقق فإن الواقع أنه لم يملكه وإنما الشرع أعطى هذا الملك المعدوم حكم الموجود لما ذكر والواقع المحقق عدم الملك فلا جرم لا يلزم بهذا الملك المقدر عتق بل يقع عتق والده عن كفارته وتجزئ عنه إذ لو قلنا : إنه عتق عليه بالملك لم يجز عن الكفارة ؛ لأن المستحق عتقه بسبب غير العتاق عن الكفارة لا يجزئ عتقه عن الكفارة ا هـ .

والحق أن تقدير الملك في ذلك ليس باللازم بل لا حاجة إليه إذ لا مانع من إجزاء العتق عن المعتق عنه وثبوت الولاء له من غير تقدير ملكه لمن أعتق عنه ففي شرح المواق على خليل : ابن رشد إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين وولاؤك لي لم يختلف المذهب أن ذلك جائز والولاء للمسلمين ا هـ .

ولا دليل يدل عليه بل الدليل على خلافه وهو صحة العتق عن الميت وهو لا يصح [ ص: 35 ] أن يملك ثم أن المعتق عن غيره لم يقصد إلى ذلك المقدر ولو قصد إليه لما صح عتقه إياه ؛ لأنه كأن يكون حينئذ معتقا ملك غيره بغير إذنه وذلك لا يصح وما ذكره هو وغيره في ذلك من تقدم توكيل المعتق عنه إنما يتجه إذا كان العتق بإذنه أما إذا كان بغير إذنه فلا يتجه على أنه لا يخلو إما أن يريد بالتقدير ما يرجع إلى الباري تعالى وهو محال عليه تعالى فإنه لا يقوم بذاته تعالى تقدير أمر من الأمور بالمعنى الذي يقال ذلك في حقنا بل لا يقوم بذاته إلا العلم بوجود ذلك الأمر أو بعدمه وإما أن يريد به ما يرجع إلينا وهو أيضا محال ؛ لأنه إذا كان سبب قيام الخبر ببراءة ذمة الابن من الكفارة وصيرورة ولاء أبيه له بعتق مالكه له عنه في كفارته بذاته تعالى تقديرنا نحن ذلك الأمر وتقديرنا حادث فيلزم حدوث ذلك الخبر لضرورة سبق السبب للمسبب أو معيته ، وبالجملة القول بتلك التقديرات في هذا الموضع لا يصح كما يفيده كلام ابن الشاط في موضعين من حاشيته على الأصل وإن أمكن الجواب عن الترديد باختيار الشق الثاني وإرجاع سببية التقدير للمخبر به لا لقيام الخبر بذاته تعالى فافهم والله أعلم .




الخدمات العلمية