الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته أي واجب تقواه وما يحق منها ، كما في الكشاف ، قال : مثله قوله - تعالى - : فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 : 16 ] أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا . اهـ .

                          هذا ما فسر به العبارتين في الآيتين بحسب ذوقه السليم وفهمه الدقيق ، ثم نقل بعض ما ورد فيهما ، وما قاله هو المتبادر ، ومعنى العبارتين عليه واحد . ومن الناس من فهم أن الآيتين متعارضتان ، حتى زعموا أن الثانية نسخت الأولى ، ورووا ذلك عن ابن مسعود موقوفا و مرفوعا . فقد أخرج ابن جرير وغيره عنه : أن معنى اتقوا الله حق تقاته " أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر " وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : إنها لما نزلت اشتد على القوم العمل فقاموا " في صلاة الليل " حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا عليهم : فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت الآية الأولى ، كذا في روح المعاني . وروى ابن جرير النسخ عن قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد . وروي عدم نسخها عن ابن عباس وطاوس وأن ابن عباس فسرها بأن يجاهدوا في الله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . أي فهي بمعنى الآيات التي تقرر هذه الأمور الثلاثة وهي مما لم يقل أحد بنسخها .

                          [ ص: 17 ] أقول : وإذا كانت الرواية بالنسخ ضعيفة بحسب الصناعة ، فهي في اعتقادي موضوعة ممن لم يفهم الآية . ولو كان معناها ما رووا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - لكانت من تكليف مالا يطاق وهو ممنوع ، وبه أخذ الأستاذ الإمام في منع النسخ .

                          أما قوله - تعالى - : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فمعناه على المختار عند الأستاذ الإمام : استمروا على الإسلام ، وحافظوا على أعماله حتى الموت . فالمراد بالإسلام على هذا الدين إيمانه وعمله ، ووجه الاختيار أنه جاء في مقابلة قوله : يردوكم بعد إيمانكم كافرين وبعد الأمر بالتقوى حق التقوى . وقيل إن المراد به الإخلاص ، وقيل الإيمان دون العمل ; لأنه هو الذي يستمر إلى الموت . أقول : وهذا النهي مبني على قاعدة أن المرء يموت غالبا على ما عاش عليه ، فإذا عاش على اليقين حق التقوى والاحتراس مما ينافي الإسلام مات على ذلك بفضل الله الذي كانت تلك القاعدة من سننه في خلقه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية