الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1178 حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد جميعا عن حماد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين يعني المحرم حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر ح وحدثني أبو غسان الرازي حدثنا بهز قالا جميعا حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات فذكر هذا الحديث وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا علي بن خشرم أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج ح وحدثني علي بن حجر حدثنا إسمعيل عن أيوب كل هؤلاء عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد ولم يذكر أحد منهم يخطب بعرفات غير شعبة وحده [ ص: 255 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 255 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين ) يعني : المحرم ، هذا صريح في الدلالة للشافعي والجمهور في جواز لبس السراويل للمحرم إذا لم يجد إزارا ، ومنعه مالك ؛ لكونه لم يذكر في حديث ابن عمر السابق ، والصواب إباحته بحديث ابن عباس هذا مع حديث جابر بعده ، أما حديث ابن عمر فلا حجة فيه ؛ لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار ، وذكر في حديث ابن عباس وجابر حالة العدم ، فلا منافاة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( وهو بالجعرانة ) فيها لغتان مشهورتان : إحداهما إسكان العين وتخفيف الراء . والثانية : كسر العين وتشديد الراء ، والأولى أفصح ، وبهما قال الشافعي وأكثر أهل اللغة ، وهكذا اللغتان في تخفيف الحديبية وتشديدها ، والأفصح التخفيف ، وبه قال الشافعي وموافقوه .

                                                                                                                قوله : ( عليه جبة وعليها خلوق ) هو بفتح الخاء ، وهو نوع من الطيب يعمل فيه زعفران .

                                                                                                                [ ص: 256 ] قوله : ( له غطيط ) هو كصوت النائم الذي يردده مع نفسه .

                                                                                                                قوله : ( كغطيط البكر ) هو بفتح الباء وهو الفتي من الإبل .

                                                                                                                قوله : ( فلما سري عنه ) هو بضم السين وكسر الراء المشددة ، أي : أزيل ما به وكشف عنه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عن العمرة : ( اغسل عنك أثر الصفرة ) فيه : تحريم الطيب على المحرم ابتداء ودواما ؛ لأنه إذا حرم دواما فالابتداء أولى بالتحريم . وفيه : إن العمرة يحرم فيها من الطيب واللباس وغيرهما من المحرمات السبعة السابقة ما يحرم في الحج . وفيه : أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته . وفيه : أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه ، وهذا مذهب الشافعي ، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود ، وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه : عليه الفدية ، لكن الصحيح من مذهب مالك : أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا أو جاهلا إذا طال لبثه عليه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( واخلع عنك جبتك ) دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ، ولا يلزمه شقه ، وقال الشعبي والنخعي : لا يجوز نزعه ؛ لئلا يصير مغطيا رأسه ، بل يلزمه شقه ، وهذا مذهب ضعيف .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) معناه : من اجتناب المحرمات ، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها ، وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه [ ص: 257 ] الحج والعمرة ، ويخص من عمومه ما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج ، كالوقوف والرمي والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك .

                                                                                                                وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالما بصفة الحج دون العمرة ، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم : ( واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دليل للقاعدة المشهورة : أن القاضي والمفتي إذا لم يعلم حكم المسألة أمسك عن جوابها حتى يعلمه أو يظنه بشرطه .

                                                                                                                وفيه : أن من الأحكام التي ليست في القرآن ما هو بوحي لا يتلى ، وقد يستدل به من يقول من أهل الأصول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له الاجتهاد ، وإنما كان يحكم بوحي ، ولا دلالة فيه ؛ لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر له بالاجتهاد حكم ذلك ، أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية