الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب القياس لغة : التقدير والمساواة ) لما فرغنا من المباحث المتعلقة بالكتاب والسنة والإجماع ، شرعنا في القياس ومباحثه وهو ميزان العقول قال الله تعالى " { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } فالقياس في اللغة : يدل على معنى التسوية على العموم ; لأنه نسبة ، وإضافة بين شيئين ولهذا يقال : فلان يقاس بفلان ولا يقاس بفلان ، أي يساوي فلانا ولا يساوي فلانا ( و ) أما [ ص: 480 ] القياس ( شرعا ) أي في عرف الشرع فهو ( تسوية فرع بأصل في حكم من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته ) فهو حقيقة عرفية . مجاز لغوي قاله الطوفي في شرحه وغيره ( و ) القياس ( اصطلاحا ) أي في اصطلاح الأصوليين علماء الشريعة ، ( رد فرع إلى أصل بعلة جامعة ) قاله القاضي وأبو الخطاب وابن البناء وفي التمهيد أيضا : تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم واختاره أبو الحسين البصري قال ابن مفلح : ومراده تحصيل مثل حكم الأصل ، ومعناه في الواضح . وقال : إنه أسد ما رآه قال ابن مفلح : لكن هو نتيجة القياس ، لا نفسه . انتهى . وذلك كرد النبيذ إلى الخمر في التحريم بعلة الإسكار ونعني بالرد : الإلحاق والتسوية بينهما في الحكم وللقياس تعاريف كثيرة غير ما ذكر أضربنا عن ذكرها خشية الإطالة ( ولم يرد بالحد قياس الدلالة . وهو الجمع بين أصل وفرع بدليل العلة ) كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدة المطربة ( ولا قياس العكس . وهو تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره ، لافتراقهما في علة الحكم ) مثل أن يقال : لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر ، عكسه الصلاة لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر . وقيل : بلى وقيل : ليسا بقياس .

قال ابن حمدان في المقنع وغيره : المحدود هنا هو قياس الطرد فقط وقال القاضي عضد الدين وغيره : القياس المحدود هو قياس العلة . انتهى . وقال البرماوي : في حجية قياس العكس خلاف . وكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنع ، لكن الجمهور على خلافه قال أبو إسحاق الشيرازي في الملخص : اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين أصحهما - وهو المذهب - أنه يصح استدل به الشافعي في عدة مواضع . والدليل عليه : أن الاستدلال بالعكس استدلال بقياس مدلول على صحته بالعكس ، وإذا صح القياس في الطرد - وهو غير مدلول على صحته - فلأن يصح الاستدلال بالعكس - وهو قياس مدلول على صحته - أولى . قال البرماوي : ويدل عليه أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة فأما القرآن : فنحو قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فدل على أنه ليس إله إلا الله [ ص: 481 ] لعدم فساد السموات والأرض وكذلك قوله تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ولا اختلاف فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياس العكس وأما السنة : فكحديث { يأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ؟ - يعني أكان يعاقب ؟ قالوا : نعم قال : فمه ؟ } فقاس وضعها في حلال فيؤجر على وضعها في حرام فيؤزر : بنقيض العلة .

وأما الصحابة ، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ، وقلت أنا : ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة } وفي بعض أصول " مسلم " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " قال : وقلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليه ، لكن رواهما مسلم عن جابر مرفوعا فلا حاجة إلى القياس . ويجمع بين الروايتين : بأنه عند ذكر كل لفظ كان ناسيا للآخر . كما جمع به النووي وظهر بذلك كله أنه حجة ، إلا أنه هل يسمى قياسا حقيقة أو مجازا ، أو لا يسمى قياسا أصلا ؟ ثلاثة أقوال أرجحها : الثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية