الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2273 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن الحفاظ ممن روى هذا الحديث عن هشيم لا يذكرون فيه أنه صلى بهم من الغد، فممن روى ذلك: هشيم ولم يذكر فيه يحيى بن حسان وسعيد بن منصور وهو أضبط الناس لألفاظ هشيم وهو الذي ميز للناس ما كان هشيم يدلس به من غيره.

                                                حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو بشر ، عن أبي عمير بن أنس، قال: أخبرني عمومتي من الأنصار من أصحاب النبي - عليه السلام - قالوا: "أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي - عليه السلام - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي - عليه السلام - أن يفطروا من يومهم، ثم ليخرجوا لعيدهم من الغد".

                                                حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا هشيم ، عن أبي بشر ... فذكر بإسناده مثله.

                                                فهذا هو أصل هذا الحديث لا كما رواه عبد الله بن صالح، وأمره إياهم بالخروج من الغد لعيدهم قد يجوز أن يكون أراد بذلك أن يجتمعوا فيدعوا أو لترى كثرتهم فيتناهى ذلك إلى عدوهم فيعظم أمرهم عنده، لا لأن يصلوا كما يصلى العيد.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه أن الحفاظ -بضم الحاء جمع حافظ- بيان ذلك أن أصل هذا الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى رواه الحفاظ ممن رواه عن هشيم من غير ذكر أنه صلى بهم من الغد، فممن روى ذلك عن هشيم ولم يذكر هذه اللفظة: يحيى بن حسان بن حيان البكري أبو زكرياء البصري نزيل بلبيس أحد مشايخ الشافعي، وأحد رجال

                                                [ ص: 156 ] "الصحيحين" وأبي داود والترمذي والنسائي، بين ذلك بقوله: "حدثنا سليمان ابن شعيب، وهو الكيساني صاحب محمد بن الحسن الشيباني يروي عن يحيى بن حسان المذكور، عن هشيم بن بشير ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن أبي عمير بن أنس بن مالك، قال: أخبرني عمومتي من الأنصار. . . إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" نحوه: من حديث هشيم ، عن أبي بشر، قال: أخبرني أبو عمير بن أنس بن مالك قال: وكان أكبر ولده، قال: حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله - عليه السلام - قال: "أغمي علينا هلال شوال فأصبحوا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله - عليه السلام - أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد" وقال: هذا إسناد صحيح.

                                                وممن رواه عن هشيم ولم يذكر هذه اللفظة أيضا سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، بين ذلك بقوله: "حدثنا صالح" وهو صالح بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن سعيد بن منصور ... إلى آخره.

                                                قوله: "فهذا هو أصل هذا الحديث" أي أصل هذا الحديث هو الذي رواه الحافظان يحيى بن حسان وسعيد بن منصور، كلاهما عن هشيم لا كما رواه عبد الله بن صالح ، عن هشيم، فإن عبد الله بن صالح انفرد بهذه اللفظة في روايته عن هشيم فلا يتابع عليه.

                                                قوله: "وأمره إياهم بالخروج" جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: سلمنا أن أصل هذا الحديث مثل ما رواه الحفاظ عن هشيم بدون هذه اللفظة أعني: "فصلى بهم من الغد" لا كما رواه عبد الله بن صالح عنه بهذه اللفظة، ولكنه - عليه السلام - أمرهم أن يخرجوا لعيدهم من الغد، فدل ذلك على ما يدعيه أهل المقالة الأولى.

                                                [ ص: 157 ] وتقرير الجواب أن يقال: إن أمره - عليه السلام - إياهم بالخروج من الغد لأجل عيدهم قد يجوز أن يكون لأحد المعنيين:

                                                الأول: أن يجتمعوا ويدعوا الله تعالى ; لأنه يوم مجاور ليوم شريف وفيه مظنة الإجابة، ولا يلزم من الاجتماع هذا فعل الصلاة.

                                                الثاني: أن يكون المراد من ذلك اجتماعهم في ذلك اليوم لتظهر كثرتهم وقوتهم ويبلغ ذلك إلى أعداء الدين فيعظم أمرهم عندهم ويقع رعبهم في قلوبهم، لا لأن يصلوا كما تصلى صلاة العيد، والله أعلم.

                                                قوله: "أغمي عليه" على صيغة المجهول، يقال: أغمي علينا الهلال، وغمي فهو مغمى ومغمى إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة كما يقال: غم علينا يقال: صمنا للغمى والغمى -بالضم والفتح- أي: صمنا عن غير رؤية وأصل التغمية الستر والتغطية ومنه أغمي على المريض إذا غشي عليه كأن المرض ستر عقله وغطاه.

                                                قوله: "فأصبحنا صياما" أي صائمين وهو جمع صائم كالقيام جمع قائم والنيام جمع نائم.

                                                قوله: "فجاء ركب" أي جماعة، وهو جمع راكب، ويقال: الركب اسم من أسماء الجمع كالنفر والرهط.




                                                الخدمات العلمية