الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 113 - 117 ] قال : ( ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب ) لما روينا .

                                                                                                        قال : ( ولا بالفضة ) ; لأنها في معناه . [ ص: 118 - 119 ] قال : ( إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة ) تحقيقا لمعنى النموذج والفضة أغنت عن الذهب ; إذ هما من جنس واحد كيف وقد جاء في إباحة ذلك آثار ، وفي الجامع الصغير : " ولا يتختم إلا بالفضة " ، وهذا نص على أن التختم [ ص: 120 ] بالحجر والحديد والصفر حرام ، { ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل خاتم صفر فقال : ما لي أجد منك رائحة الأصنام ورأى على آخر خاتم حديد فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل النار }" ومن الناس من أطلق في الحجر الذي يقال له " يشب " ; لأنه ليس بحجر ; إذ ليس له ثقل الحجر ; وإطلاق الجواب في الكتاب يدل على تحريمه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب والفضة إلا بالخاتم ، والمنطقة ، وحلية السيف ، ثم قال : وقد جاء في إباحة ذلك آثار ; قلت : أما الخاتم فأخرج الأئمة الستة في " كتبهم " عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ، له فص حبشي ، ونقش فيه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم }" انتهى .

                                                                                                        وأخرجوه إلا ابن ماجه عن قتادة عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له : إنهم لا يقرءون كتابا إلا بخاتم : فاتخذ خاتما من فضة ، ونقش فيه محمد رسول الله فكان في يده حتى قبض } ، وفي يد أبي بكر حتى قبض ، وفي يد عمر حتى قبض ، وفي يد عثمان حتى سقط منه في بئر أريس ، ثم أمر بها فنزحت ، فلم يقدر عليه ، انتهى .

                                                                                                        أحاديث السيف : أخرج أبو داود ، والترمذي في " الجهاد " ، والنسائي في " الزينة " عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس ، قال : { كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة } ، وفي لفظ للنسائي { كان نعل سيف رسول الله من فضة ، وقبيعة سيفه فضة ، وما بين ذلك حلق فضة }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وهكذا روى همام عن قتادة عن أنس ، وبعضهم رواه عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : { كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة } ، انتهى

                                                                                                        وحديث همام الذي أشار إليه هو عند النسائي أخرجه عن عمرو بن عاصم عن همام ، وجرير عن قتادة به ، قال النسائي : هذا حديث منكر .

                                                                                                        والصواب قتادة عن سعيد مرسلا ، وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم انتهى . وهذا [ ص: 118 ] المرسل الذي أشار إليه أخرجه أبو داود . والنسائي عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : كانت ، فذكره ; وقال عبد الحق في " أحكامه " : الذي أسنده ثقة ، وهو جرير بن حازم انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني في " علله " : هذا حديث قد اختلف فيه على قتادة . فرواه جرير بن حازم عن قتادة عن أنس . { قال : كان حلية سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة } ، وكذلك رواه عمرو بن عاصم عن همام عن قتادة عن أنس ، ورواه هشام الدستوائي ، ونضر بن ظريف عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن أخي الحسن مرسلا انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن طالب بن حجير عن هود بن عبد الله بن سعد عن جده مزيدة العصري ، قال : { دخل رسول الله يوم الفتح ، وعلى سيفه ذهب وفضة }. انتهى . وقال : حديث حسن غريب . قال ابن القطان في " كتابه " : وإنما حسنه الترمذي ; لأنه لا يقبل المسانيد على عادته في ذلك ، وهو عندي ضعيف لا حسن ، فإن هود بن عبد الله بن سعيد بصري ، لا مزيد فيه على ما في الإسناد من رواية عن جده ، ورواية طالب بن حجير عنه ، فهو مجهول الحال ، وطالب بن حجير أبو حجير كذلك ، وإن كان قد روى عنه أكثر من واحد ، وسئل عنه الرازيان . فقالا : شيخ ، يعنيان بذلك أنه ليس من أهل العلم ، وإنما هو صاحب رواية انتهى كلامه ملخصا .

                                                                                                        وقال شيخنا الذهبي في " ميزانه " : وصدق ابن القطان في تضعيفه لهذا الحديث ، فإنه منكر ، فيه طالب بن حجير ، وقد تفرد به ، فما علمنا في حلية سيف النبي صلى الله عليه وسلم ذهبا انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن حماد ثنا أبو الحكم حدثني مرزوق الصيقل ، { أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار ، وكانت له قبيعة من فضة ، وحلق من فضة }انتهى

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : وأبو الحكم هذا لم يذكر الحاكم في " كتابه " ما يدل على التعريف بحاله ، انتهى . [ ص: 119 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه في الجهاد " عن جعفر بن محمد قال : { رأيت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمته من فضة ، ونعله من فضة ، وبين ذلك حلق من فضة ، وهو عند هؤلاء يعني بني العباس }انتهى

                                                                                                        الآثار : أخرج البخاري في " صحيحه " عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال : كان سيف الزبير محلى بفضة ، وكان سيف عروة محلى بفضة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن المسعودي ، قال : رأيت في بيت القاسم بن عبد الرحمن سيفا قبيعته من فضة ، فقلت : سيف من هذا ؟ قال : سيف عبد الله بن مسعود ، انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : وأخرج البيهقي أيضا عن عثمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه تقلد سيف عمر يوم قتل عثمان ، وكان محلى ، قلت : كم كانت حليته ؟ قال : أربعمائة انتهى

                                                                                                        وأما المنطقة ففي " كتاب عيون الأثر " للشيخ أبي الفتح بن سيد الناس اليعمري ، قال : { وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منطقة من أديم منشور ثلاث ، حلقها وإبزيمها ، وطرفها فضة }انتهى

                                                                                                        وروى الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم ، قال : قال : { ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أغاروا على الذهب يوم أحد ، فأخذوا ما أخذوا من الذهب ، بقي معه من ذلك شيء ، رجع به حيث غشينا المشركون ، واختلطوا ، إلا رجلين ، أحدهما عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح ، جاء بمنطقة وحدها في العسكر ، فيها خمسون دينارا ، شدها على حقويه ، من تحت ثيابه ، وعباد بن بشر جاء بصرة فيها ثلاثة عشر مثقالا ، فنفلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، ولم يخمسه }انتهى .

                                                                                                        الحديث العاشر : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتم صفر ، فقال : ما لي أجد منك رائحة الأصنام ؟ ورأى على آخر خاتم حديد ، فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل [ ص: 120 ] النار ؟ }; قلت : أخرجه أبو داود في " كتاب الخاتم " ، والترمذي في " اللباس " ، والنسائي في " الزينة " عن زيد بن الحباب عن عبد الله بن مسلم السلمي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد ، فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل النار ؟ ثم جاءه وعليه خاتم من شبه ، فقال : ما لي أجد منك ريح الأصنام ؟ فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : اتخذه من ورق ، ولا تتمه مثقالا } ، انتهى . زاد الترمذي : { ثم جاءه ، وعليه خاتم من ذهب فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة ؟ وقال : صفر ، عوض : شبه } ، وقال حديث غريب ، وعبد الله بن مسلم ، يكنى أبا طيبة انتهى

                                                                                                        ورواه أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، وابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والثمانين ، من القسم الثاني ، وذكر أحمد فيه زيادة الترمذي ، دون الباقين .

                                                                                                        وقوله في الكتاب : ورأى على آخر ، ليس كذلك ، بل هو رجل واحد ، كما هو في الحديث .




                                                                                                        الخدمات العلمية