الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3613 - فإذا فهد قد - حدثنا ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه قال : سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الطيب عند الإحرام ، فقال : ما أحب أن أصبح محرما ينضح مني ريح الطيب .

                                                        فأرسل ابن عمر رضي الله عنهما بعض بنيه إلى عائشة رضي الله عنها ليسمع أباه ما قالت . قال : فقالت عائشة رضي الله عنها : أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم طاف في نسائه فأصبح محرما ، فسكت ابن عمر رضي الله عنهما
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فدل هذا الحديث على أنه قد كان بين إحرامه وبين تطييبها إياه غسل ؛ لأنه لا يطوف عليهن إلا اغتسل .

                                                        فكأنها إنما أرادت بهذه الأحاديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك ابن عمر رضي الله عنهما .

                                                        فأما بقاء نفس الطيب على بدن المحرم بعد ما أحرم وإن كان إنما تطيب به قبل الإحرام ، فلا نتفهم هذا الحديث ، فإن معناه معنى لطيف .

                                                        فقد بينا وجوه هذه الآثار فاحتجنا بعد ذلك أن نعلم كيف وجه ما نحن فيه من الاختلاف من طريق النظر .

                                                        فاعتبرنا ذلك ، فرأينا الإحرام يمنع من لبس القميص والسراويلات والخفاف والعمائم ، ويمنع من الطيب ، وقتل الصيد وإمساكه .

                                                        [ ص: 133 ] ثم رأينا الرجل إذا لبس قميصا أو سراويلا قبل أن يحرم ، ثم أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه ، وإن لم ينزعه وتركه عليه كان كمن لبسه بعد الإحرام لبسا مستقبلا ، فيجب عليه في ذلك ما يجب عليه فيه لو استأنف لبسه بعد إحرامه .

                                                        وكذلك لو صاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده ، ثم أحرم وهو في يده أمر بتخليته وإن لم يخله ، كان إمساكه إياه بعد إحرامه بصيد كان منه بعد إحرامه المتقدم ، كإمساكه إياه بعد إحرامه بصيد كان منه بعد إحرامه .

                                                        فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان الطيب محرما على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء كان ثبوت الطيب عليه بعد إحرامه ، وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه كتطييبه به بعد إحرامه ، قياسا ونظرا على ما بينا .

                                                        فهذا هو النظر في هذا الباب ، وبه نأخذ ، وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية