الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية ابنه الملك القاهر

لما حضر نور الدين الموت أمر أن يرتب في الملك بعده ولده الملك القاهر عز الدين مسعود ، وحلف له الجند وأعيان الناس ، وكان قد عهد إليه قبل موته بمدة ، فجدد العهد له عند وفاته ، وأعطى ولده الأصغر عماد الدين زنكي قلعة عقر الحميدية ، وقلعة شوش ، وولايتهما ، وسيره إلى العقر . وأمر أن يتولى تدبير مملكتهما ويقوم بحفظهما ، والنظر في مصالحهما ، فأتاه الأمير بدر الدين لؤلؤ لما رأى من عقله وسداده ، وحسن سياسته وتدبيره ، وكمال خلال السيادة فيه ، وكان عمر القاهر حينئذ عشر سنين .

ولما اشتد مرضه وأيس من نفسه أمره الأطباء بالانحدار إلى الحامة المعروفة بعين القيارة ، وهي بالقرب من الموصل ، فانحدر إليها فلم يجد بها راحة ، وازداد ضعفا ، فأخذه بدر الدين وأصعده في الشبارة إلى الموصل فتوفي في الطريق ليلا ومعه الملاحون والأطباء ، بينه وبينهم ستر .

وكان مع بدر الدين ، عند نور الدين ، مملوكان ، فلما توفي نور الدين قال لهما : لا يسمع أحد بموته ، وقال للأطباء والملاحين : لا يتكلم أحد ، فقد نام السلطان . فسكتوا ، ووصلوا إلى الموصل في الليل ، فأمر الأطباء والملاحين بمفارقة الشبارة ; لئلا يروه ميتا ، وأبعدوا ، فحمله هو والمملوكان ، وأدخله الدار ، وتركه في الموضع الذي [ ص: 280 ] كان فيه ومعه المملوكان ، ونزل على بابه من يثق به لا يمكن أحدا من الدخول والخروج ، وقعد مع الناس يمضي أمورا كان يحتاج إلى إتمامها .

فلما فرغ من جميع ما يريده أظهر موته وقت العصر ، ودفن ليلا بالمدرسة التي أنشأها مقابل داره ، وضبط البلد تلك الليلة ضبطا جيدا بحيث إن الناس في الليل لم يزالوا مترددين لم يعدم من أحد ما مقداره الحبة الفرد ، واستقر الملك لولده ، وقام بدر الدين بتدبير الدولة والنظر في مصالحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية