الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2278 ص: ولما لم يكن في الحديث ما يدلنا على حكم ما اختلفوا فيه من الصلاة في الغد فنظرنا في ذلك فرأينا الصلوات على ضربين:

                                                فمنها ما الدهر كله لها وقت غير الأوقات التي لا تصلى فيها الفريضة، فكان ما فات منها في وقته فالدهر كله وقت تقضى فيه غير ما نهي عن قضائها فيه من الأوقات.

                                                ومنها ما جعل له وقت خاص ولم يجعل لأحد أن يصليه في غير ذلك الوقت، من ذلك الجمعة حكمها أن تصلى يوم الجمعة من حين تزول الشمس إلى أن يدخل وقت العصر فإذا خرج ذلك الوقت فاتت ولم يجز أن تصلى بعد ذلك في يومها ذلك ولا فيما بعده، فكان ما لا يقضى في بقية يومه بعد فوات وقته لا يقضى بعد ذلك، وما يقضى بعد فوات وقته في بقية يومه ذلك قضي من الغد وبعد ذلك، وكل هذا مجمع عليه.

                                                وكانت صلاة العيد جعل لها وقت خاص في يوم العيد آخره زوال الشمس، وكل قد أجمع أنها إذا لم تصل يومئذ حتى زالت الشمس أنها لا تصلى في بقية يومها ذلك، فلما ثبت أن صلاة العيد لا تقضى بعد خروج وقتها في يومها ذلك ; ثبت أنها لا تقضى بعد ذلك في غد ولا غيره ; لأنا رأينا ما للذي فاته أن يقضيه من غد يومه جائز له أن يقضيه في بقية اليوم الذي وقته فيه، وما ليس للذي فاته أن يقضيه في بقية يومه ذلك فليس له أن يقضيه من غده، فصلاة العيد كذلك لما ثبت أنها لا تقضى إذا فاتت في بقية يومها ; ثبت أنها لا تقضى في غده، فهذا هو النظر في هذا الباب.

                                                وهو قول أبي حنيفة فيما روى عنه بعض الناس، ولم نجده في رواية أبي يوسف عنه هكذا، والله أعلم.

                                                [ ص: 165 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 165 ] ش: أي لما لم يكن في حديث أبي عمير بن أنس بن مالك المذكور ما يدل على فعل الصلاة من غد يوم العيد كما ذهب إليه أهل المقالة الأولى وذلك بما ذكره من الوجوه، نظرنا في حكم ذلك فوجدنا القياس يقتضي عدم فعل الصلاة من الغد، وبين ذلك بقوله: "فرأينا الصلوات. . . " إلى آخره.

                                                وملخص ذلك: أن الصلوات على نوعين: نوع منها الدهر كله وقت له أداء وقضاء غير الأوقات التي منع فيها فعل الفرائض، ونوع منها جعل له وقت معين لا تفعل في غيره كالجمعة فإن وقتها وقت الظهر، فإذا خرج لا تصلى أبدا، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك صلاة العيد ; لأن لها وقتا معينا، فإذا فات لا تصلى قياسا عليه.

                                                قوله: "وهو قول أبي حنيفة" أي وجه النظر المذكور هو قول أبي حنيفة "فيما روى عنه بعض الناس" قيد به لأن منهم من روى أنها تقضى من الغد، وعلى هذه الرواية شحنت كتب الحنفية ولكن الذي يفهم من كلام الطحاوي أن مذهب أبي حنيفة هو ما ذكره أولا فلذلك قال: ولم نجده في رواية أبي يوسف عنه.

                                                [ ص: 166 ]



                                                الخدمات العلمية