الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتشهد وهو واجب عندنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ) وهو ليس بفريضة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا قلت هذا أو فعلت [ ص: 317 ] فقد تمت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد } والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام خارج الصلاة واجبة ، إما مرة واحدة كما قاله الكرخي ، أو كلما ذكر صلى الله عليه وسلم كما اختاره الطحاوي فكفينا مؤنة الأمر ، [ ص: 318 ] والفرض المروي في التشهد هو التقدير .

التالي السابق


( قوله وهو واجب عندنا ) أي في القعدتين ( قوله للأمر المقدم ) أي في حديث ابن مسعود ( قوله فيهما ) أي في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما من الفرائض عنده ( قوله إذا قلت هذا ) تقدم أنها مدرجة من ابن مسعود ، وأن هذا المدرج الموقوف له حكم المرفوع ، ومع هذا نقول في الجواب قد أوجبنا التشهد فخرجنا عن عهدة الأمر الثابت بخبر الواحد ، وأما الصلاة في الصلاة فلا دليل يصلح للإيجاب لنقول به .

قال القاضي عياض : وقد شذ الشافعي رحمه الله فقال : من لم يصل عليه فصلاته فاسدة ولا سلف له في هذا القول ولا سنة يتبعها ، وشنع عليه فيه جماعة منهم الطبري [ ص: 317 ] والقشيري ، وخالفه من أهل مذهبه الخطابي وقال : لا أعلم له قدوة .

والتشهدات المرويات عن ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد وأبي موسى وابن الزبير رضي الله عنهم لم يذكر فيها ذلك .

وما روي عنه عليه الصلاة والسلام { لا صلاة لمن لم يصل علي } ضعفه أهل الحديث كلهم ، ولو صح فمعناه كاملة أو لمن لم يصل علي مرة في عمره .

وكذا ما جاء في حديث ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم { من صلى صلاة لم يصل علي فيها وعلى أهل بيتي لم تقبل منه } ا هـ . وهذا ضعف بجابر الجعفي مع أنه قد اختلف عليه في رفعه ووقفه ، قاله الدارقطني .

وأما الأول فرواه ابن ماجه { لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار } وفيه عبد المهيمن ضعيف . قال ابن حبان : لا يحتج به . وأخرجه الطبراني عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده مرفوعا بنحوه قالوا : حديث عبد المهيمن أشبه بالصواب ، مع أن جماعة قد تكلموا في أبي بن عباس .

وروى البيهقي عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم { إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد } وفيه المجهول .

وكره بعضهم أن يقال وارحم محمدا ولم يكرهه بعضهم ، وكره الصلاة على غير الأنبياء ، وقيل لا تكره وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم { اللهم صل على آل أبي أوفى } وموجب الأمر القاطع الافتراض مرة في العمر في الصلاة أو خارجها لأنه لا يقتضي التكرار وقلنا به ( قوله إما مرة إلخ ) ظاهر السوق التقابل بين قول الطحاوي والقول بالمرة ، ولا ينبغي ذلك لأن الوجوب مرة مراد قائله الافتراض ، ولا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي عليه كلما ذكره لأن مستنده خبر واحد وهو غير مخالف في أنه لا إكفار بجحد مقتضاه ، بل التفسيق ، بل التقابل بين القول باستحبابه إذا ذكر وقول الطحاوي .

والأولى قول الطحاوي وجعل في التحفة قول الطحاوي أصح ، واختيار صاحب المبسوط قول الكرخي بعد النقل عنهما ظاهر في اعتبار التقابل ثم الترجيح وهو بعد لما قلنا ، ولو تكرر في مجلس قيل يكفي مرة وصحح ، وفي المجتبى تكرر الوجوب [ ص: 318 ] وفرق بينه وبين تكرر ذكر الله تعالى في مجلس حيث يكفي ثناء واحد ، قال : ولو تركه لا يبقى عليه دينا ، بخلاف الصلاة فإنها تصير دينا بما ليس بظاهر ، وصحح في باب سجود التلاوة من الكافي وجوب الصلاة مرة عند التكرر في المجلس الواحد وفي الزائد ندب ، وكذا التشميت ، وقيل يجب أن يشمته في كل مرة إلى الثلاث ( قوله والفرض المروي ) يعني في رواية النسائي كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد { السلام على الله السلام على جبرائيل وميكائيل ، فقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هذا فإن الله هو السلام ، لكن قولوا التحيات لله } وساق تشهد ابن مسعود رضي الله عنه ، وهذا الحديث في الكتب الستة ، وليس لفظ الفرض إلا في رواية النسائي ، بل ألفاظه فيها { كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام إلخ } وكنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذه رواية أخرى للنسائي ثم بتقدير أن لا يؤول لفظ الفرض ، فثبوت كونه فرضا اصطلاحيا متعذر لثبوته بما لا يثبت به الفرض : أعني خبر الواحد فيكون واجبا .




الخدمات العلمية