الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( 30 ) )

يقول تعالى ذكره بقوله ( ذلك ) هذا الذي أمر به من قضاء التفث والوفاء بالنذور ، والطواف بالبيت العتيق ، هو الفرض الواجب عليكم يا أيها الناس في حجكم ( ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) يقول : ومن يجتنب ما أمره الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحرمة أن يستحلها ، فهو خير له عند ربه في الآخرة .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، في قوله : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله ) قال : الحرمة : مكة والحج والعمرة ، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومن يعظم حرمات الله ) قال : الحرمات : المشعر الحرام ، والبيت الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، هؤلاء الحرمات .

وقوله : ( وأحلت لكم الأنعام ) يقول جل ثناؤه : وأحل الله لكم أيها الناس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكيتموها ، فلم يحرم عليكم منها بحيرة ، ولا سائبة ، [ ص: 618 ] ولا وصيلة ، ولا حاما ، ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم ( إلا ما يتلى عليكم ) يقول : إلا ما يتلى عليكم في كتاب الله ، وذلك : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، وما ذبح على النصب ، فإن ذلك كله رجس .

كما : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( إلا ما يتلى عليكم ) قال : إلا الميتة ، وما لم يذكر اسم الله عليه .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

وقوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) يقول : فاتقوا عبادة الأوثان ، وطاعة الشيطان في عبادتها فإنها رجس .

وبنحو الذي قلنا فى تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) يقول تعالى ذكره : فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : ( الرجس من الأوثان ) قال : عبادة الأوثان .

وقوله : ( واجتنبوا قول الزور ) يقول تعالى ذكره : واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقولكم للملائكة : هي بنات الله ، ونحو ذلك من القول ، فإن ذلك كذب وزور وشرك بالله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال : أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : قول الزور قال : الكذب .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله . [ ص: 619 ] حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ) يعني الافتراء على الله والتكذيب .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن وائل بن ربيعة ، عن عبد الله ، قال : تعدل شهادة الزور بالشرك . وقرأ : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن عاصم ، عن وائل بن ربيعة ، قال : عدلت شهادة الزور الشرك . ثم قرأ هذه الآية : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا سفيان العصفري ، عن أبيه ، عن خريم بن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عدلت شهادة الزور بالشرك بالله " ثم قرأ : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن سفيان العصفري ، عن فاتك بن فضالة ، عن أيمن بن خريم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال : " أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله " مرتين . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) .

ويجوز أن يكون مرادا به : اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيها الناس من الأوثان بعبادتكم إياها .

فإن قال قائل : وهل من الأوثان ما ليس برجس حتى قيل : فاجتنبوا الرجس منها ؟ قيل : كلها رجس . وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك ، وإنما معنى الكلام : فاجتنبوا الرجس الذي يكون من الأوثان أي عبادتها ، فالذي أمر جل ثناؤه بقوله : ( فاجتنبوا الرجس ) منها اتقاء عبادتها ، وتلك العبادة هي الرجس ، على ما قاله ابن عباس ومن ذكرنا قوله قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية