الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              وأيضا فالناس في شرعه في الفجر على ثلاثة أقوال بعد اتفاقهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر ، منهم من قال : هو منسوخ ؛ فإنه قنت ثم ترك ، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، ومن قال : المتروك هو الدعاء على أولئك الكفار ، فلم يبلغه ألفاظ الحديث أو بلغته فلم يتأملها ؛ فإن في الصحيحين عن عاصم الأحول قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن القنوت هل كان قبل الركوع أو بعد الركوع ، فقال : قبل الركوع ، قال : فإن فلانا أخبرني أنك قلت : بعد الركوع ، قال : كذب ، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قبل ] الركوع ، أراه كان بعث قوما يقال لهم القراء ، زهاء سبعين رجلا إلى قوم مشركين دون أولئك ، وكان بينهم وبين رسول الله عهد ، فقنت صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم ، وكذلك الحديث الذي رواه أحمد والحاكم [ ص: 125 ] عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : " ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا " جاء لفظه مفسرا : " أنه ما زال يقنت قبل الركوع " .

              والمراد هنا بالقنوت : طول القيام ، لا الدعاء ، كذلك جاء مفسرا .

              ويبينه ما جاء في الصحيحين عن محمد بن سيرين قال : قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه : " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟ قال : نعم ، بعد الركوع يسيرا " ، فأخبر أن قنوته كان سرا وكان بعد الركوع ، فلما كان لفظ القنوت هو إدامة الطاعة ، سمي كل تطويل في قيام أو ركوع أو سجود ، قنوتا ، كما قال تعالى ( أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) ولهذا لما سئل ابن عمر رضي الله عنه عن القنوت الراتب قال : " ما سمعنا ولا رأينا " وهذا قول .

              ومنهم من قال : بل القنوت سنة راتبة ، حيث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت ، وروي عنه أنه ما زال يقنت حتى فارق الدنيا ، وهذا قول الشافعي .

              ثم من هؤلاء من استحبه في جميع الصلوات لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيهن ، وجاء ذلك من غير وجه في المغرب والعشاء [ ص: 126 ] الآخرة والظهر ، لكن لم يرو أحد أنه قنت قنوتا راتبا بدعاء معروف ، فاستحبوا أن يدعو فيه بقنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي ، وهو : " اللهم اهدني فيمن هديت - إلى آخره ".

              التالي السابق


              الخدمات العلمية