الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل تجوز المقاصة في دين العين مطلقا )

                                                                                                                            ش : قال في الصحاح : تقاص القوم إذا قاص كل واحد منهم صاحبه في حساب أو غيره ا هـ .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : المقاصة متاركة مطلوب بمماثل صنف ما عليه لماله على طالبه فيما ذكر عليهما ولا ينتقض طرده بمتاركة متقاذفين حديهما أو طلبيهما على شرط ثبوت الحد بالحكم به ولا بمتاركة متجارحين جرحين متساويين ; لأن المتماثلين عرفا لا لغة ما صح قيام أحدهما مقام الآخر ، وهذا لا يصدق على حد القذف ولا طلبهما ولا على الجرحين للإجماع على أن أحدهما لا يصح بدل الآخر بحال وإلا زيد في الرسم ماليا وقولنا ما عليه خير من لفظ الدين لتدخل المقاصة فيما حل من كتابة ونفقة الزوجة ا هـ .

                                                                                                                            وأما حكمها فقال ابن عرفة إثر الكلام المتقدم عن ابن رشد في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب النذور : ومشهور المذهب وجوب الحكم بالمقاصة وروى زياد لا يحكم بها ومثله في كتاب الصرف خلاف ما في النكاح الثاني والسلم الثاني منها وعلى المشهور لو اشترى على أن لا مقاصة ففي لغو الشرط وأعماله سماع القرينين ، وقال ابن كنانة مع ابن القاسم في المدونة : وتأول ما في الصرف عنه ; لأن كون الشرط على المناجزة كشرط تركها وتعليله يرد هذا التأويل وقيل يفسد البيع بشرط تركها إن كان الدين حالا فيدخله البيع والسلف روي هذا عن ابن القاسم ، وقال أصبغ : هو حقيق أن تضرب للدين أجلا ولم يشترط إلا أن لا يقبضه ذلك اليوم ا هـ والفرع الأول في التوضيح وبهرام قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في أول المقاصة : جاز اتفاقا والجواز هنا بمعنى الإذن وقد اختلف هل يجب أن يعمل على قول من دعا منهما إليها ، وهو المشهور أو القول لمن دعا منهما إلى عدمها رواه زياد عن مالك وأخذ من المدونة في الصرف والسلم الثاني والنكاح الثاني القولان ا هـ ، وقال بهرام في شرح قول المختصر : تجوز المقاصة والجواز هنا بمعنى الإذن في الإقدام على المعنى باعتبار حق الله تعالى وهل يجب أن يعمل فيها في حق الآدمي حتى يكون القول قول من دعا إليها ، وهو المشهور أو قول من دعا إلى [ ص: 550 ] عدمها ، وهو رواية زياد عن مالك ا هـ ، وقوله : في ديني العين اعلم أن المصنف قسم الدين على ثلاثة أقسام إما أن يكون عينا أو طعاما أو عرضا فإن اختلف الدينان قال ابن بشير : كعروض في ذمة وعين في ذمة أخرى أو عرض وطعام أو عين وطعام جازت المقاصة على الإطلاق حل الدينان أم لم يحلا اتفقت آجالهما أم اختلفت ا هـ .

                                                                                                                            وقوله مطلقا أي سواء كانا من بيع أو من قرض أو أحدهما من قرض والآخر من بيع .

                                                                                                                            ص ( وإن اختلفا صفة مع اتحاد النوع )

                                                                                                                            ش : كمحمدية ويزيدية .

                                                                                                                            ص ( أو اختلافه )

                                                                                                                            ش : كذهب وفضة .

                                                                                                                            ص ( كإن اختلفا زنة )

                                                                                                                            ش : سواء اتفقا في الصفة أو اختلفا كما صرح به ابن بشير

                                                                                                                            ص ( من بيع )

                                                                                                                            ش : قال الشارح احترازا مما إذا كانا من القرض أو أحدهما فالمقاصة جائزة وإن اختلفا في الوزن كما تقدم ا هـ .

                                                                                                                            وقد تقدم أن الزيادة في القرض ممتنعة إلا اليسيرة كرجحان ميزان ، وقال ابن عرفة ابن بشير والمازري : والقرض فيما ذكر كالبيع ويغتفر في القرض فالزيادة في الصفة لا الزيادة في العدد على المشهور وفي الموازية إن اختلف العدد في القرض منع مطلقا قال : وإن كان أحدهما من القرض والآخر من بيع جازت ما لم يكن الذي حل أولهما حلول الأقل وما لم يعد إلى المقرض أكثر ا هـ .

                                                                                                                            ص ( ويجوز في العرضين مطلقا إن اتفقا جنسا وصفة )

                                                                                                                            ش : قال ابن بشير : فإن اتفقا في الجنس والصفة جازت المقاصة اتفقت الآجال أو اختلفت حلا أو لم يحلا ا هـ .

                                                                                                                            ص ( وإن اتحد جنسا والصفة متفقة أو مختلفة جازت إن اتفق الأجل وإلا فلا مطلقا )

                                                                                                                            ش : هكذا يقع في بعض النسخ وفيه نظر من وجوه ( الأول ) قد قدم حكم ما إذا اتفق العرضان في صفة فلا حاجة إلى إعادته هنا ( الثاني ) أن قوله وإلا فلا يقتضي أنه إذا لم يتفق الأجلان لم تجز المقاصة وإن اتفقا في الصفة والجنس ، وهو ما تقدم أنه إذا اتفقا في الجنس والصفة جازت المقاصة اتفقا في الأجل أو اختلفا حلا أو لم يحلا كما تقدم في كلام ابن بشير أيضا ( الثالث ) كان ينبغي أن يقول إن اتفق الأجل وحل ; لأن حكم الحلول حكم اتفاق الأجل وقد يقال سكت عن هذا الثالث لوضوحه وإن كان التنبيه على الأول ( الرابع ) دخل في قوله وإلا فلا مطلقا ما إذا كانا من قرض والحال منهما أو الأقرب حلولا أجود ، وهو جائز إذ لا مانع فيه ; لأنه إنما يمنع إذا كانا من بيع ; لأنه يدخله حط الضمان وأزيدك ولا ضمان في القرض وكذا إذا كان أحدهما من قرض والآخر من بيع وكان أقربهما حلولا هو البيع والأفضل جاز للعلة المذكورة وقد صرح بذلك ابن بشير وصرح في التوضيح بالجواز في الأول وقد سلم كلامه في الشامل من الاعتراضين الأولين ، ونصه : وإن اتفقا جنسا دون صفة جاز إن حلا وإلا فلا مطلقا ا هـ .

                                                                                                                            ويقع في بعض نسخ المختصر كعبارة الشامل ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) إذا اتحدا في الجنس واختلفا في الصفة وحلا أو اتفقا أجلا جازت المقاصة سواء كان من بيع أو قرض أو أحدهما من القرض والآخر من بيع كما صرح به ابن بشير ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) جميع ما تقدم في مسألة العرضين المتفقين في الجنس إنما هو إذا اتفق عددهما فإن اختلفا وهما من القرض لم يجز على المشهور من منع الزيادة في القرض وإن كان من بيع وقد حل الأجلان فيجوز إن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع فإن كان البيع أكثرهما لم تجز المقاصة ; لأنه زيادة في القرض ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية