الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام ، وما لزمه في حال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته ) قال العبد الضعيف عصمه الله : هذه رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام ، وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة وعنه على عكسه . وجه الأول أن المستحق بالسببين مختلف . وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بالغنم .

وجه الثاني أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ، ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث [ ص: 81 ] فيقدم بالدين عليه ، أما كسب الردة فليس بمملوك له ; لبطلان أهلية الملك بالردة عنده فلا يقضى دينه منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه ، كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ، ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك هاهنا . وجه الثالث أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه ، فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه . [ ص: 82 ] وقال أبو يوسف ومحمد : تقضى ديونه من الكسبين ; لأنهما جميعا ملكه حتى يجري الإرث فيهما ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله : وتقضى ديونه التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام ، وديونه التي لزمته في حال ردته مما اكتسبه في حال ردته ) وعلى هذا فإن فضل من كسب الإسلام عن ديون الإسلام شيء ورثته الورثة وإلا لا يرثون شيئا ، ولو فضل عن ديون الردة شيء من كسب الردة عند أبي حنيفة أنه لا يورث ; لأنه لا يورث كسب الردة .

قال المصنف رحمه الله ( وهذا التفصيل المذكور رواية عن أبي حنيفة ) قيل رواها زفر عنه ، ولم ينسب الكرخي هذا إلى أبي حنيفة بل قال : وقال زفر والحسن : ما لحقه في حال الإسلام إلى آخره ( وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام ) فيقضى منه الدينان جميعا ، فإن وفى فكسب الردة فيء لجماعة المسلمين ولا يرث الورثة شيئا في هذه الصورة إلا أن يفضل عن كسب الإسلام شيء عن الدينين ( فإن لم يف كمل من كسب الردة ) وهذه رواية الحسن بن زياد عنه ( وعنه على عكسه ) وهو أن يقضى الدينان جميعا من كسب الردة ، فإن وفى بالديون ورثت الورثة كسب الإسلام كله ، وإن لم يف كمل من كسب الإسلام وورثت الورثة ما فضل إن فضل شيء ، وهذه رواية أبي يوسف عنه ( وجه الأول ) وهو التفصيل ( أن المستحق بالسببين ) وهو دين الإسلام ودين الردة ( مختلف ، وحصول كل من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب الذي حصل به ; ليكون الغرم بالغنم . وجه الثاني ) وهو رواية الحسن ( أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ، ومن شروط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث ) وهو مقدار [ ص: 81 ] ما عليه من الدين ( فيقدم الدين ) مطلقا ( عليه أما كسب الردة فليس مملوكا له لبطلان أهلية الملك بالردة عند أبي حنيفة فلا يقضى دينه منه ، إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه ) فإن قيل : كيف يقضى منه وهو فيء عنده غير مملوك له بل لجماعة المسلمين ؟ أجاب فقال : لا بعد في هذا ( فإن الذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ) ومع ذلك إن كان عليه دين يقضى منه أولا وما فضل يكون للمسلمين ( فكذلك هاهنا ) قال في المبسوط : وعلى هذا لا ينفذ تصرفه في الرهن وقضاء الدين من كسب الإسلام .

( وجه الثالث ) وهو رواية أبي يوسف ( أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه ) بمعنى أنه ما تعلق به حق الغير كما يتعلق في مال المريض ، وإلا فهو قد ذكر أن أملاكه تزول ، غير أنه لا يلزم من كونه خالص حقه كونه ملكا له ; ألا ترى أن كسب المكاتب خالص حقه وليس ملكه ، وإذا كان خالص حقه ( كان قضاء دينه منه أولى ، إلا إذا لم يف فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه ) قال في المبسوط : وعلى هذا نقول عقد الرهن كقضاء الدين ، فإذا قضى دينه من كسب الردة أو رهنه بالدين فقد فعل عين ما كان يحق فعله ، فهذه ثلاثة روايات عن [ ص: 82 ] أبي حنيفة ، ولو لم يكن له مال إلا ما اكتسبه في حال ردته قضي منه ( وقال أبو يوسف ومحمد : تقضى ديونه من الكسبين ; لأنهما جميعا ملكه عندهما ) حتى يجري فيهما الإرث .




الخدمات العلمية