الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 56 ] 49

ثم دخلت سنة تسع وأربعين

فيها كان مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم . وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد جربة وشتا بها ، وفتحت على يده ، وأصاب فيها شيئا كثيرا وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز البجلي . وفيها كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي في البحر فشتا بأهل الشام . وفيها كانت غزوة عقبة بن نافع البحر فشتا بأهل مصر .

ذكر غزوة القسطنطينية

في هذه السنة ، وقيل :

سنة خمسين ، سير معاوية جيشا كثيفا إلى بلاد الروم للغزاة وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتل ، فأمسك عنه أبوه ، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :


ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالغزقذونة من حمى ومن موم [ ص: 57 ]     إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا
بدير مران عندي أم كلثوم



وأم كلثوم امرأته ، وهي ابنة عبد الله بن عامر .

فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان إلى أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس ، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه ، وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم وعبد العزيز بن زرارة الكلابي ، فأوغلوا في بلاد الروم حتى بلغوا القسطنطينية ، فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم ، فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل ، فأنشأ يقول :


قد عشت في الدهر أطوارا على طرق     شتى فصادفت منها اللين والبشعا
كلا بلوت فلا النعماء تبطرني     ولا تجشمت من لأوائها جزعا
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه     ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا



ثم حمل على من يليه فقتل فيهم وانغمس بينهم ، فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه ، رحمه الله ، فبلغ خبر قتله معاوية فقال لأبيه :

والله هلك فتى العرب ! فقال : ابني أو ابنك ؟ قال : ابنك ، فآجرك الله . فقال :


فإن يكن الموت أودى به     وأصبح مخ الكلابي زيرا
فكل فتى شارب كأسه     فإما صغيرا وإما كبيرا



ثم رجع يزيد والجيش إلى الشام وقد توفي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينية فدفن بالقرب من سورها ، فأهلها يستسقون به ، وكان قد شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد صفين مع علي وغيرها من حروبه .

[ ص: 58 ] ذكر عزل مروان عن المدينة وولاية سعيد

وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة في ربيع الأول وأمر سعيد بن العاص عليها ( في ربيع الآخر ، وقيل : في ربيع الأول ) ، وكانت ولاية مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثماني سنين وشهرين ، وكان على قضاء المدينة عبد الله بن الحارث بن نوفل ، فعزله سعيد حين ولي ، واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن .

ذكر وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب ، عليه السلام

في هذه السنة توفي الحسن بن علي ، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، ووصى أن يدفن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تخاف فتنة فينقل إلى مقابر المسلمين ، فاستأذن الحسين عائشة فأذنت له ، فلما توفي أرادوا دفنه عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يعرض إليهم سعيد بن العاص ، وهو الأمير ، فقام مروان بن الحكم وجمع بني أمية وشيعتهم ومنع عن ذلك ، فأراد الحسين الامتناع فقيل له : إن أخاك قال : إذا خفتم الفتنة ففي مقابر المسلمين ، وهذه فتنة . فسكت ، وصلى عليه سعيد بن العاص ، فقال له الحسين : لولا أنه سنة لما تركتك تصلي عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية