الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ما فعله التتر بقفجاق والروس

لما استولى التتر على أرض قفجاق ، وتفرق قفجاق ، كما ذكرنا ، سار طائفة كثيرة منهم إلى بلاد الروس ، وهي بلاد كثيرة ، طويلة عريضة ، تجاورهم ، وأهلها يدينون بالنصرانية ، فلما وصلوا إليهم اجتمعوا ، كلهم واتفقت كلمتهم على قتال التتر إن قصدوهم ، وأقام التتر بأرض قفجاق مدة ، ثم إنهم ساروا سنة عشرين وستمائة إلى بلاد الروس ، فسمع الروس وقفجاق خبرهم ، وكانوا مستعدين لقتالهم ، فساروا إلى طريق التتر ليلقوهم قبل أن يصلوا إلى بلادهم ليمنعوهم عنها ، فبلغ مسيرهم إلى التتر ، فعادوا على أعقابهم راجعين ، فطمع الروس وقفجاق فيهم ، وظنوا أنهم عادوا خوفا منهم وعجزا عن قتالهم ، فجدوا في اتباعهم ، ولم يزل التتر راجعين ، وأولئك يقفون أثرهم ، اثني عشر يوما .

ثم إن التتر عطفوا على الروس وقفجاق ، فلم يشعروا بهم إلا وقد لقوهم على غرة منهم ، لأنهم كانوا قد أمنوا التتر ، واستشعروا القدرة عليهم ، فلم تتكامل عدتهم للقتال إلا وقد بلغ التتر منهم مبلغا عظيما ، فصبر الطائفتان صبرا لم يسمع بمثله .

ودام القتال بينهم عدة أيام ثم إن التتر ظفروا واستظهروا ، فانهزم قفجاق والروس هزيمة عظيمة بعد أن أثخن فيهم التتر ، وكثر القتل في المنهزمين فلم يسلم [ ص: 356 ] منهم إلا القليل ، ونهب جميع ما معهم ، ومن سلم وصل إلى البلاد على أقبح صورة لبعد الطريق والهزيمة ، وتبعهم التتر يقتلون وينهبون ويخربون البلاد حتى خلا أكثرها ، فاجتمع كثير من أعيان تجار الروس وأغنيائهم ، وحملوا ما يعز عليهم وساروا يقطعون البحر إلى بلاد الإسلام في عدة مراكب ، فلما قاربوا المرسى الذي يريدونه انكسر مركب من مراكبهم فغرق إلا أن الناس نجوا وكانت العادة جارية أن السلطان له كل مركب ينكسر ، فأخذ من ذلك شيئا كثيرا وسلم باقي المراكب وأخبر من بها بهذه الحال

التالي السابق


الخدمات العلمية