الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملكهم خوارزم وتخريبها

أما الطائفة من الجيش التي سيرها جنكزخان إلى خوارزم ، فإنها كانت أكثر [ ص: 361 ] السرايا جميعها لعظم البلد ، فساروا حتى وصلوا إلى خوارزم وفيها عسكر كبير ، وأهل البلد معروفون بالشجاعة والكثرة ، فقاتلوهم أشد قتال سمع به الناس ، ودام الحصر لهم خمسة أشهر ، فقتل من الفريقين خلق كثير ، إلا أن القتلى من التتر كانوا أكثر لأن المسلمين كان يحميهم السور .

فأرسل التتر إلى ملكهم جنكزخان يطلبون المدد ، فأمدهم بخلق كثير ، فلما وصلوا إلى البلد زحفوا زحفا متتابعا ، فملكوا طرفا منه ، فاجتمع أهل البلد وقاتلوهم في طرف الموضع الذي ملكوا ، فلم يقدروا على إخراجهم ، ولم يزالوا يقاتلونهم ، والتتر يملكون منهم محلة بعد محلة ، وكلما ملكوا محلة قاتلهم المسلمون في المحلة التي تليهم ، فكان الرجال والنساء والصبيان يقاتلون ، فلم يزالوا كذلك حتى ملكوا البلد جميعه ، وقتلوا كل من فيه ، ونهبوا كل ما فيه ثم إنهم فتحوا السكر الذي يمنع ماء جيحون عن البلد ، فدخله الماء ، فغرق البلد ، جميعه وتهدمت الأبنية وبقي موضعه ماء ، ولم يسلم من أهله أحد البتة ، فإن غيره من البلاد قد كان يسلم بعض أهله ، منهم من يختفي ، ومنهم من يهرب ، ومنهم من يخرج ثم يسلم ، ومنهم من يلقي نفسه بين القتلى فينجو .

وأما أهل خوارزم فمن اختفى من التتر غرقه الماء أو قتله الهدم ، فأصبحت خرابا يبابا


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر



وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الخذلان بعد النصر ، فلقد عمت هذه المصيبة الإسلام وأهله ، فكم من قتيل من أهل خراسان وغيرها ، لأن القاصدين من التجار وغيرهم كانوا كثيرا ، مضى الجميع تحت السيف .

[ ص: 362 ] ولما فرغوا من خراسان وخوارزم عادوا إلى ملكهم بالطالقان .

التالي السابق


الخدمات العلمية