الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم يسلم عن يمينه فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره مثل ذلك ) لما روى ابن مسعود { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن [ ص: 320 ] وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر } ( وينوي بالتسليمة الأولى من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة وكذلك في الثانية ) لأن الأعمال بالنيات ، ولا ينوي النساء في زماننا ولا من لا شركة له في صلاته ، هو الصحيح لأن الخطاب حظ الحاضرين ( ولا بد للمقتدي من نية إمامه ، فإن كان الإمام من الجانب الأيمن أو الأيسر نواه فيهم ) وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف رحمه الله ترجيحا للجانب الأيمن ، وعند محمد وهو رواية عن أبي حنيفة نواه فيهما لأنه ذو حظ من الجانبين ( والمنفرد ينوي الحفظة لا غير ) لأنه ليس معه سواهم ( والإمام ينوي بالتسليمتين ) هو الصحيح ، [ ص: 321 ] ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ، ثم إصابة لفظ السلام واجبة عندنا وليست بفرض خلافا للشافعي رحمه الله .

هو يتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام { تحريمها التكبير وتحليلها التسليم } .

ولنا ما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، والتخيير ينافي الفرضية [ ص: 322 ] والوجوب ، إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطا ، وبمثله لا تثبت الفرضية والله أعلم .

التالي السابق


( قوله لما روى ابن مسعود رضي الله عنه ) الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة ، وأقرب الألفاظ إلى لفظ المصنف النسائي { كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن ، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر } وصححه الترمذي وهو أرجح مما أخذ به مالك من رواية عائشة { أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن } لتقدم الرجال خلف الإمام دون النساء ، فالحال أكشف مع أن الثانية أخفض من الأولى فلعلها خفيت عمن كان بعيدا ، ولو سلم عن يساره أولا يسلم عن يمينه ما لم يتكلم ولا يعيد عن [ ص: 320 ] يساره ، ولو سلم تلقاء وجهه يسلم عن يساره أخرى .

( قوله ولا ينوي النساء في زماننا ) لأنهن ممنوعات من حضور الجماعات ( قوله نواه فيهم ) يعني إن كان في الأيمن نواه فيه ، أو في الأيسر نواه فيه ( قوله ينوي بالتسليمتين ) يعني من عن يمينه ومن عن يساره من المتقدمين كالمأموم ( قوله هو الصحيح ) احتراز عما قيل لا ينويهم لأنه يشير إليهم بالسلام ، وما قيل ينوي بالأولى لا غير ، وجه الصحيح أن الأولى للتحية والخروج من الصلاة والثانية التسوية بين القوم في التحية ، ثم قيل الثانية سنة والأصح أنها واجبة كالأولى وبمجرد لفظ السلام [ ص: 321 ] يخرج ولا يتوقف على عليكم ( قوله لأن الأخبار في عددهم إلخ ) في مسند ابن راهويه وشعب الإيمان للبيهقي من حديثين طويلين ما أفاد أنهما اثنان ، وأخرج الطبراني مرفوعا { وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر له ، من ذلك البصر عليه سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف ، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين } .

وحديث آخر أخرجه الطبري في تفسيره عند قوله تعالى { له معقبات من بين يديه } بسنده { دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه ملك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : على يمينك ملك على حسناتك وهو أمين على الملك الذي على الشمال ، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا ، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتب ؟ فيقول له : لا ، لعله يستغفر الله ويتوب ، فإذا قال ثلاثا قال : نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ، ما أقل مراقبته لله وأقل استحياءه منا ، يقول الله تعالى { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبرت على الله قصمك ، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية فيك ، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة [ ص: 322 ] أملاك على كل ابن آدم يتداولون ، ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار ، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل } ( قوله إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه ) فلو كانت تلك الزيادة في حديث ابن مسعود لم تثبت لم يلزمنا الإخلال بما رواه بل عملنا بمقتضاه إذ لا يقتضي غير مجرد التأثيم بالترك وهو الوجوب ، ومعنى الافتراض الذي قالوا فلا خلاف إذا في العمل بمقتضاه بل في لزوم الفساد بترك الواجب الذي لم يقطع بلزومه وقد تقدم مثله في بحث الفاتحة فارجع إليه .




الخدمات العلمية