الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فلما تغشاها : كناية عن الجماع.

                                                                                                                                                                                                                                      حملت حملا خفيفا يعني: المني.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 142 ] فمرت به أي: استمرت بذلك الحمل الخفيف إلى أن ثقل، عن الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فاستمر بها، فهو من المقلوب.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : شكت فيه لخفته، وهذا على قراءة من قرأ: {فمرت} ؛ بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا : قال الحسن : غلاما سويا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : بشرا سويا، قال: وأشفقا أن يكون بهيمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: جعلا له شركاء فيما آتاهما : قيل: إن الضمير في {آتاهما} و {جعلا} يرجع إلى (النفس) و (زوجها) من ولد آدم، قاله الحسن ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو راجع إلى آدم وحواء؛ والمعنى: الشرك في التسمية، على ما روي: أن الشيطان تصور لها، فخوفها أن يكون ما في بطنها بهيمة، ووسوس إليهما بأنه يدعو الله أن يجعله بشرا مثلهما، حتى سمته عبد الحارث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها كانت تحمل فيموت حملها، فوسوس الشيطان إليها أنه [ ص: 143 ] يقتله إلا أن تسميه عبد الحارث، وكان اسم إبليس الحارث.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة : لم يخص آدم وحواء، وإنما أراد نسلهما؛ فالمعنى: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، فالتثنية يراد بها: الجنسان؛ الذكر والأنثى؛ ولذلك قال: فتعالى الله عما يشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المراد من الآية إلى قوله: لنكونن من الشاكرين : آدم وحواء، وما بعده يراد به الذكر والأنثى من ولدهما؛ يدل عليه قوله: فتعالى الله عما يشركون ، ومثل الانتقال من ذكر آدم وحواء إلى ذكر ولدهما قوله تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، ثم قال: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ، ثم قال: وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح: 8- 9]، ومثله كثير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ليس لآدم وحواء في الآية من الذكر إلا قوله: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ، ثم عاد الذكر إلى من أشرك من ولدهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الهاء في جعلا له تعود إلى الصالح؛ والمعنى: طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح؛ شركا بين الطلبتين، فيسوغ على هذا أن يراد به: آدم وحواء، وهذا القول ضعيف؛ لقوله: فتعالى الله عما يشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] ومعنى جعلا له شركاء : جعلا له ذوي شرك، أو جعلا لغيره شركا.

                                                                                                                                                                                                                                      أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون يعني: المشركين، وقيل: يعني: الأصنام، وأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل، وقيل: يعني: الأصنام وعابديها.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم يعني: الأصنام، وقيل: يعني: من سبق في علمه عز وجل أنه لا يؤمن.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم المعنى: إن الذين تدعون آلهة من دون الله؛ أي: غير الله، وسميت الأوثان عبادا؛ لأنها مملوكة لله عز وجل، وقيل: لأنهم ظنوا أنها تضر وتنفع.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : المعنى: أن الأصنام مخلوقة أمثالكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم وبخهم الله تعالى، وسفه عقولهم، فقال: ألهم أرجل يمشون بها ... الآية، ثم قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: قل ادعوا شركاءكم يعني: الأصنام، ثم كيدون : أنتم وهي، فلا تنظرون أي: فلا تؤخروني إن زعمتم أن أحدا غير الله يضر وينفع.

                                                                                                                                                                                                                                      إن وليي الله أي: قل: إن وليي الله، فلا أخاف غيره، وهو يتولى الصالحين .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا يعني: الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      وتراهم ينظرون إليك أي: وتراهم كالناظر إليك، وهي جماد لا تبصر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المراد بذلك: المشركون، أخبر عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 145 ] وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ : (النزغ): الإزعاج إلى الشر، وهو في اللغة: أدنى حركة؛ والمعنى: إن نالتك من الشيطان وسوسة؛ فاستعذ بالله.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا : (الطائف): بمنزلة الخاطر والعارض، و (الطيف): مصدر من (طاف يطيف)، وقيل: هو من الواو، والأصل: (طيوف)، وكذلك يكون أصل قراءة من قرأ: {طيف}، إذا جعل من الواو.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : يقال: طفت عليهم أطوف، وطاف الخيال يطيف.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي : (الطيف): اللمم، و (الطائف): ما طاف حول الإنسان.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عمرو: (الطيف): الوسوسة.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (الطيف): الغضب.

                                                                                                                                                                                                                                      وإخوانهم يمدونهم في الغي قيل: المعنى: وإخوان الشياطين من ضلال الإنس تمدهم الشياطين في الغي، قاله الحسن ، وقتادة ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 146 ] وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ والمعنى: والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم، ولا أنفسهم ينصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي؛ لأن الكفار إخوان الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الضمير في ثم لا يقصرون على القولين جميعا للكفار، وقيل: هو للشياطين؛ فإن كان للكفار؛ فالمعنى: ثم لا يتوبون، وإن كان للشياطين؛ فالمعنى: ثم لا يقصر الشياطين في مدهم الكفار، وكذلك قال قتادة : المعنى: ثم لا يقصرون عنهم، ولا يرحمونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في الغي : يجوز أن يكون متصلا بقوله: {يمدونهم}، ويجوز أن يكون متصلا بـ (الإخوان).

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها أي: هلا اختلقتها من نفسك، فأعلمهم أن الآيات من قبل الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      هذا بصائر من ربكم يعني: القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بالغدو والآصال : قال قتادة ، وابن زيد: {الآصال}: العشيات.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : الواحد: (أصيل)، جمع على: (أصل)، وجمعت (الأصل) على (آصال) ؛ فهو جمع الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 147 ] ويجوز أن يكون {الآصال} جمع (أصيل) ؛ كـ (يمين، وأيمان)، واشتقاقه من (الأصل) الذي ينتهي إليه النهار، وينشأ عنه الليل.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته يعني: الملائكة، وقوله: عند ربك على جهة التشريف لهم، وأنهم بالمكان المكرم؛ فهو عبارة عن قربهم في الكرامة، لا في المسافة.

                                                                                                                                                                                                                                      {ويسبحونه} أي: ينزهونه عن السوء.

                                                                                                                                                                                                                                      وله يسجدون أي: يصلون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية