الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1989 2095 - حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ؟ فإن لي غلاما نجارا . قال : " إن شئت" . قال : فعملت له المنبر ، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر الذي صنع ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت . قال : "بكت على ما كانت تسمع من الذكر" . [انظر : 449 - فتح: 4 \ 319]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي حازم قال : أتى رجال سهل بن سعد يسألونه عن المنبر ، فقال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل- : "مري غلامك النجار ، يعمل أعوادا أجلس عليهن" . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث جابر : أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ؟ فإن لي غلاما نجارا . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلفا في الجمعة ، وظاهرهما التعارض ; فإن في الأول : أنه - عليه السلام - بعث إليها ، وفي الثاني : أنها قالت ذلك ، فيجوز أن يكون أرسل [ ص: 203 ] إليها بذلك ثم أرسلت فقالت ، أو تكون ابتدأته ، ثم بعث إليها أن مريه ، فحفظ كل واحد بعض القصة .

                                                                                                                                                                                                                              وكان اتخاذه سنة سبع ، وقيل : سنة ثمان . حكاه ابن التين عن الشيخ أبي محمد . وكان من طرفاء الغابة ، وصانعه غلام لسعد بن عبادة ، قاله مالك ، أو غلام العباس ، أو غلام امرأة من الأنصار أو غير ذلك كما سلف في موضعه . قال ابن فارس : ناقة طرفة : ترعى أطراف المراعي ولا تختلط بالنوق ، والطرفاء : شجرة معروفة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها) : كذا هنا . وفي لفظ : (حنت حنين الناقة التي فارقت ولدها) . وفي آخر (سمع للجذع مثل أصوات العشار) ، وقد أسلفنا أنه نزل فضمه ، وقال : "لو لم أضمه لحن إلى قيام الساعة" .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : رد على القدرية ; لأن الصياح ضرب من الكلام ، وهم لا يجوزون الكلام إلا من حي ذي فم ولسان ، كأنهم لم يسمعوا قوله : وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا الآية [فصلت : 21] .

                                                                                                                                                                                                                              و (تئن) : بكسر الهمزة ، يقال : أن يئن أنينا وأنانا : بكت على ما كانت تسمع من الذكر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 204 ] وقوله : (حتى استقرت) : أي سكنت ، من قر يقر ، إذا سكن . وفيه معنى آخر أي : قل صوتها شيئا فشيئا حتى سكنت .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن الأشياء التي لا روح لها تعقل ، إلا إنها لا تتكلم حتى يؤذن لها . وإنما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يقبل هدايا أصحابه ويأكل معهم ويستوهب منهم ; لأنه أب لهم رحيم بهم رفيق . وأطيب ما أكل الرجل من كسب يده وولده من كسبه .

                                                                                                                                                                                                                              ومنه قول لوط صلوات الله وسلامه عليه : هؤلاء بناتي [هود : 78] أي : أيامى نساء أمتي ، قاله مجاهد ، وهو حسن ، أو كان في شرعه تزويج الكافر المسلمة ، أو هؤلاء بناتي إن أسلمتم . وقال عكرمة : أراد انصرافهم ولم يعرض عليهم شيئا لا بناته ولا بنات أمته .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم [النور : 61] ، ولم يذكر بيوت الأبناء ; لأنها داخلة في بيوتكم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : المطالبة بالوعد ، والاستنجاز فيه ، وتكليف سيد العبد ما يفعله العبد ، ولا يسأل عن طيب نفس العامل بما علم وكلام ما لا يعرف له كلام : الجمادات وشبهها كما سلف ، وكانت هذه آية معجزة أراد الله تعالى أن يريها عباده ليزدادوا إيمانا ، وما جرى على مجرى الإعجاز فهو خرق للعادات .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : وأما نحن بيننا فلا يجوز كلام الجمادات إلينا .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لا امتناع في ذلك .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية