الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وقالوا فيمن حفر بئرا في سوق العامة لمصلحة المسلمين فوقع فيها إنسان ومات : أنه إن كان الحفر بإذن السلطان لا يضمن ، وإن كان بغير إذنه يضمن ، وكذلك اتخذ قنطرة للعامة .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه لا يضمن ( ووجهه ) أن ما كان من مصالح المسلمين كان الإذن به ثابتا دلالة ، والثابت دلالة ، كالثابت نصا .

                                                                                                                                ( وجه ) ظاهر الرواية أن ما يرجع إلى مصالح عامة المسلمين كان حقا لهم ، والتدبير في أمر العامة إلى الإمام ، فكان الحفر فيه بغير إذن الإمام كالحفر في دار إنسان بغير إذن صاحب الدار ، هذا الذي ذكرنا حكم الحافر في الطريق ، وكذلك من كان في معنى الحافر ممن يحدث شيئا في الطريق ، كمن أخرج جناحا إلى طريق المسلمين ، أو نصب فيه ميزابا ، فصدم إنسانا ، فمات ، أو بنى دكانا ، أو وضع حجرا أو خشبة أو متاعا ، أو قعد في الطريق ليستريح ، فعثر بشيء من ذلك عاثر ، فوقع ، فمات أو وقع على غيره ، فقتله أو حدث به أو بغيره من ذلك العثرة والسقوط جناية من قتل أو غيره ، أو صب ماء في الطريق فزلق به إنسان ، فهو في ذلك كله ضامن .

                                                                                                                                وكذلك ما عطب بذلك من الدواب ; لأنه سبب التلف بإحداث هذه الأشياء ، وهو متعد في التسبيب ، فما تولد منه ، يكون مضمونا عليه ، كالمتولد من الرمي ثم ما كان من الجناية في بني آدم تتحملها العاقلة إذا بلغت [ ص: 279 ] القدر الذي تتحمل العاقلة ، وهو نصف عشر دية الرجل .

                                                                                                                                وما لم يبلغ ذلك القدر ، أو كان منها في غير بني آدم يكون في ماله ; لأن تحميل العاقلة ثبت بخلاف القياس لعدم الجناية منهم ، وقد قال الله - تبارك وتعالى - { ولا تزر وازرة وزر أخرى } عرفناه بنص خاص في بني آدم بهذا القدر فبقي الأمر فيما دونه ، وفي غير بني آدم على الأصل ولا كفارة عليه .

                                                                                                                                ولا يحرم الميراث لو كان وارثا للمجني عليه ، ولا الوصية لو كان أجنبيا ; لأنه لم يباشر القتل ، وقد قالوا فيمن وضع كناسة في الطريق فعطب بها إنسان : إنه يضمن ; لأن التلف حصل بوضعه ، وهو في الوضع معتد .

                                                                                                                                وقال محمد : إن وضع ذلك في طريق غير نافذة ، وهو من أهله - لم يضمن لعدم التعدي منه ; إذ الطريق مشترك بين أهل السكة ، فيكون لكل واحد من أهلها الانتفاع به كالدار المشتركة ، ولو سقط الميزاب الذي نصبه صاحب الدار إلى طريق المسلمين على إنسان فقتله إن أصابه الطرف الداخل في الحائط - لم يضمن ; لأنه في ذلك القدر متصرف في ملك نفسه ، فلم يكن متعديا فيه ، وإن أصابه الطرف الخارج إلى الطريق يضمن ; لأنه متعد في إخراجه إلى الطريق ، وإن أصابه الطرفان جميعا يضمن النصف ; لأنه متعد في النصف لا غير ، وإن كان لا يدري - فالقياس : أن لا يضمن شيئا ; لأنه إن كان أصابه الطرف الداخل لا : يضمن .

                                                                                                                                وإن كان أصابه الطرف الخارج : يضمن : والضمان لم يكن واجبا فوقع الشك في وجوبه فلا يجب بالشك ، وفي الاستحسان : يضمن النصف ; لأنه إذا لم يعرف الطرف الذي أصابه إنه الداخل أو الخارج - يجعل كأنه أصابه الطرفان جميعا كما في الغرقى والحرقى إنه إذا لم يعرف التقدم والتأخر في موتهم يجعل كأنهم ماتوا جملة واحدة في أوان واحد حتى لا يرث البعض من البعض كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية