الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه السابع: أن يقال: قولك بأن عواض ذاته لا يتوقف على الغير يستلزم أن عواض ذاته يتوقف على الغير، وإذا كان تقدير ثبوته مستلزما لانتفائه دل على أن تقدير ثبوته مستلزم لجمع بين النقيضين، فلا يكون ثابتا، وإن شئت قلت: قولك لا تقوم به الحوادث مستلزم لقيام [ ص: 236 ] الحوادث به، فيلزم الجمع بين النقيضين، وإن شئت قلت: قولك لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته يستلزم نقيض ذلك فيكون باطلا، وهذا يصلح أن يكون دليلا مستقلا في أول المسألة، وذلك لأن هذا العالم المشهود إما أن يكون واجبا بذاته أو ممكنا، فإن كان واجبا بذاته فمن المعلوم قيام الحوادث به، فيلزم قيامها بالواجب بذاته.

وأيضا فمن المعلوم أن ما يقوم ببعض الأفلاك من الحوادث ليست ذاته كافية له، بل هو موقوف على غيره، فيكون ما يقوم بالواجب بنفسه موقوفا على غيره، وإن كان هذا العالم ممكنا وهو الحق، فلا بد له من واجب، فذلك الواجب إما أن يكون علة تامة مستلزمة في الأزل لجميع معلولاته أو لا، والأول باطل لأنه لو كان كذلك لم يتأخر شيء من معلولاته. والثاني يقتضي أنه فعل بعد أن لم يكن فعل، وذلك يقتضي تجدد فاعلية فأما أن يكون تجدد ذلك مستلزما لكون متجدداته توجب افتقار ذاته إلى غيره أو لا، فإن لم تكن بطلت الحجة، وإن استلزم ذلك ثبت افتقار ما يتجدد بذاته إلى غيره. فلو قيل: إن الواجب لا تقوم بذاته هذه الأمور للزم أن تقوم بذاته هذه الأمور، فيلزم الجمع بين النقيضين.

وإن قيل: تجدد الفاعلية لا يستلزم قيام شيء به، بل تجددت من غير حدوث شيء أصلا. قيل: فكذلك ما يتجدد من الأمور القائمة بذاته ممكن حينئذ تجدده من غير حدوث شيء أصلا بطريق الأولى.

وإن شئت أن تكون هذه معارضة ودليلا في رأس المسألة، ونقول: ما يتجدد من مفعولاته هل يقتضي أفتقار ذاته [ ص: 237 ] إلى غيره أم لا؟ فإن قيل لا يقتضي، فكذلك ما يتجدد من أفعاله القائمة به وإلا فلا. وهذا لأن نفاة الأمور القائمة به منهم من يقول حدثت الحوادث المباينة له من غير تجدد شيء أصلا، كما يقول ذلك من يقول من المعتزلة والكلابية وغيرهم، ومنهم من يقول: بل ما زالت الحوادث تحدث مع كونه مستلزما لجميع مفعولاته، كما تقول ذلك الدهرية الفلاسفة، والدهرية منهم من يقول: إن العالم واجب الوجود بنفسه، ومنهم من يقول: إن الأول علة غائية له، وكل من هذه الأقوال يلزمه من التناقض ما يبين به أنه لا يمكنه إبطال القول بقيام مراداته ومحبوباته بذاته.

التالي السابق


الخدمات العلمية