الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 381 ] حادثة غريبة لم يوجد مثلها

كان أهل المملكة في الكرج لم يبق منهم غير امرأة ، وقد انتهى الملك إليها فوليته ، وقامت بالأمر فيهم ، وحكمت ، فطلبوا لها رجلا يتزوجها ويقوم بالملك نيابة عنها ، ويكون من أهل بيت مملكة ، فلم يكن فيهم من يصلح لهذا الأمر .

وكان صاحب أرزن الروم ، هذا الوقت ، هو مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان بن مسعود قلج أرسلان ، وبيته مشهور من أكابر ملوك الإسلام ، وهم من الملوك السلجوقية ، وله ولد كبير ، فأرسل إلى الكرج يطلب الملكة لولده ليتزوجها ، فامتنعوا من إجابته وقالوا : لا نفعل هذا ، لأننا لا يمكننا أن يملك أمرنا مسلم ، فقال لهم : إن ابني يتنصر ويتزوجها فأجابوه إلى ذلك ، فأمر ابنه فتنصر ودان بالنصرانية ، وتزوج الملكة ، وانتقل إليها ، وأقام عند الكرج حاكما في بلادهم ، واستمر على النصرانية ، نعوذ بالله من الخذلان ، ونسأله أن يجعل خير أعمالنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .

ثم كانت هذه الملكة الكرجية تهوى مملوكا لها ، فكان زوجها يسمع عنها القبائح ، ولا يمكنه الكلام لعجزه ، ثم إنه يوما دخل عليها فرآها نائمة مع مملوكها في فراش ، فأنكر ذلك وواجهها بالمنع منه ، فقالت : إن رضيت بهذا ، وإلا أنت أخبر . فقال : إنني لا أرضى بهذا فنقلته إلى بلد آخر ، ووكلت به من يمنعه من الحركة ، وحجرت عليه ، وأرسلت إلى بلد اللان ، وأحضرت رجلين كانا قد وصفا بحسن الصورة ، فتزوجت أحدهما ، فبقي معها يسيرا ، ثم إنها فارقته ، وأحضرت إنسانا آخر من كنجة ، وهو مسلم ، فطلبت منه أن يتنصر ليتزوجها ، فلم يفعل ، فأرادت أن تتزوجه وهو مسلم ، فقام عليها جماعة الأمراء ، ومعهم إيواني ، وهو مقدم العساكر الكرجية ، فقالوا لها قد افتضحنا بين الملوك بما تفعلين ، ثم تريدين أن يتزوجك مسلم ، وهذا لا نمكن منه أبدا ; والأمر بينهم متردد والرجل الكنجي عندهم لم يجبهم إلى الدخول في النصرانية ، وهي تهواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية