الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 30 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( هيهات هيهات لما توعدون ( 36 ) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( 37 ) )

وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا : هيهات هيهات : أي بعيد ما توعدون أيه القوم ، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياء من قبوركم ، يقولون : ذلك غير كائن .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( هيهات هيهات ) يقول : بعيد بعيد .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( هيهات هيهات لما توعدون ) قال : يعني البعث . والعرب تدخل اللام مع هيهات في الاسم الذي يصحبها وتنزعها منه ، تقول : هيهات لك هيهات ، وهيهات ما تبتغي هيهات ; وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات ، كأنه قال : بعيد ما ينبغي لك ; كما قال جرير :


فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله



كأنه قال : العقيق وأهله ، وإنما أدخلت اللام مع هيهات في الاسم ، لأنهم قالوا : هيهات أداة غير مأخوذة من فعل ، فأدخلوا معها في الاسم اللام ، كما أدخلوها مع هلم [ ص: 31 ] لك ، إذ لم تكن مأخوذة من فعل ، فإذا قالوا : أقبل ، لم يقولوا لك ، لاحتمال الفعل ضمير الاسم .

واختلف أهل العربية في كيفية الوقف على هيهات ، فكان الكسائي يختار الوقوف فيها بالهاء ; لأنها منصوبة ، وكان الفراء يختار الوقوف عليها بالتاء ، ويقول : من العرب من يخفض التاء ، فدل على أنها ليست بهاء التأنيث ، فصارت بمنزلة دراك ونظار ، وأما نصب التاء فيهما ; فلأنهما أداتان ، فصارتا بمنزلة خمسة عشر ، وكان الفراء يقول : إن قيل : إن كل واحدة مستغنية بنفسها ، يجوز الوقوف عليها ، وإن نصبها كنصب قوله : ثمت جلست ; وبمنزلة قول الشاعر .


ماوي يا ربتما غارة     شعواء كاللذعة بالميسم



قال : فنصب هيهات بمنزلة هذه الهاء التي في " ربت " لأنها دخلت على حرف ، على رب وعلى ثم ، وكانا أداتين ، فلم تغيرهما عن أداتهما فنصبا .

واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار غير أبي جعفر : ( هيهات هيهات ) بفتح التاء فيهما . وقرأ ذلك أبو جعفر : ( هيهات هيهات ) بكسر التاء فيهما . والفتح فيهما هو القراءة عندنا ; لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا ) يقول : ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ( نموت ونحيا ) يقول : تموت الأحياء منا فلا تحيا ، ويحدث آخرون منا فيولدون أحياء ( وما نحن بمبعوثين ) يقول : قالوا : وما نحن بمبعوثين بعد الممات .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ) قال : يقول ليس آخرة ولا بعث ، يكفرون بالبعث ، يقولون : إنما هي حياتنا هذه ثم نموت ولا نحيا ، يموت هؤلاء ويحيا [ ص: 32 ] هؤلاء ، يقولون : إنما الناس كالزرع يحصد هذا ، وينبت هذا ، يقولون : يموت هؤلاء ، ويأتي آخرون ، وقرأ : ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ) وقرأ : ( لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية