الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا يفرق بين صغير وذي رحم محرم منه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } { ، ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي غلامين صغيرين أخوين ثم قال له ما فعل الغلامان فقال بعت أحدهما قال أدرك أدرك ، ويروى اردد اردد } ، ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير ، والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس ، والمنع من التعاهد ، وفيه ترك المرحمة على الصغار ، وقد أوعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ، ولا قريب غير محرم ، ولذا قيد بذي الرحم المحرم أي المحرم من جهة الرحم ، وإلا يرد عليه ابن العم إذا كان أخا من الرضاع فإنه رحم محرم ، وليس له هذا الحكم ، وأطلقه فشمل الصغير والكبير ، ولا بد من اجتماعهما في ملكه حتى لو كان أحدهما له ، والآخر لغيره فلا بأس ببيع أحدهما ، ولو قال المصنف إلا إذا كان التفريق بحق مستحق لكان أولى لأنه حينئذ يجوز التفريق كدفع أحدهما بالجناية ، وبيعه بالدين ورده بالعيب لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به كذا في الهداية ، ومن التفريق بحق ما في المبسوط [ ص: 109 ] ذمي له عبد له امرأة أمة ولدت منه فأسلم العبد ، وولده صغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وابنه ، وإن كان تفريقا بينه وبين أمه ا هـ .

                                                                                        ولا يرد على المصنف التفريق بإعتاق أحدهما بمال أو بغيره أو تدبيره أو استيلاد الأمة أو كتابة أحدهما فإنه جائز لأن مراده منع التفريق بالبيع أو الهبة أو الوصية أو غير ذلك من أسباب الملك كما في الجوهرة إذ لو منع عن الكل لصار المالك محجورا عليه بمنعه من التصرف في ماله رأسا ، وكذا لا يرد عليه ما لو كان في ملكه ثلاثة أحدهم صغير فإن له بيع أحد الكبيرين لأن العلة ما هو مظنة الضياع والاستيحاش ، وقد بقي له من يقوم مقام الثالث ، وفي الكفاية اجتمع له عدد من أقاربه لا يفرق بينه وبين واحد ، وإن اختلفت جهة القرابة كالعم والخال أو اتحدت كخالين عند أبي يوسف لأنه يتوحش بفراق الكل ، والصحيح في المذهب أنه إذا كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم .

                                                                                        ولو كان معه أم أو أخ أو أم ، وعمة أو خالة أو أخ جاز بيع من سوى الأم لأن شفقة الأم تغني عمن سواها ، ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها فهذه الصور مستثناة من اختلاف الجهة ، والجدة كالأم فلو كان معه جدة ، وعمة ، وخالة جاز بيع العمة والخالة ، ولو كان معه عمة ، وخالة لا يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة ، ولو كان معه أخوان أو إخوة كبار فالصحيح أنه يجوز بيع ما سوى واحد منهم ، وهو الاستحسان لأن الشفقة أمر باطن لا يوقف عليه فيعتبر السبب ، ولا يعتبر الأبعد مع الأقرب ، وعند الاتحاد في الجهة والدرجة أحدهما يغني ، وكذا لو ملك ستة إخوة ثلاثة كبارا ، وثلاثة صغارا فباع مع كل صغير كبيرا جاز استحسانا فلو كان معه أخت شقيقة ، وأخت لأب ، وأخت لأم باع غير الشقيقة ، ولو ادعاه رجلان فصار أبوين له ثم ملكوا جملة القياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما ، وفي الاستحسان لا يباع لأن الأب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا فصار الأصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز بيعه ، وإن كانوا في درجة فإن كانوا من جنسين مختلفين كالأب ، والأم ، والخالة ، والعمة لا يفرق ، ولكن يباع الكل أو يمسك الكل ، وإن كانوا من جنس واحد كالأخوين ، والعمين ، والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ، ويبيع ما سواه .

                                                                                        ومثل الخالة ، والعمة أخ لأب ، وأخ لأم كذا في فتح القدير ، وكذا لا يرد عليه ما إذا كان البائع حربيا مستأمنا لمسلم فإنه لا يمنع المسلم من الشراء دفعا للمفسدة عنه ، وكذا لا يرد ما إذا باعه ممن حلف بعتقه إن اشتراه أو ملكه لما ذكرنا في الإعتاق فهذه عشرة مسائل يجوز فيها التفريق ، ولا بأس بسردها دفع أحدهما بجناية ، وبيعه بدين ورده بعيب ، وإذا كان المالك كافرا أو إعتاقه وتدبيره واستيلادها وكتابته وبيعه ممن حلف بعتقه ، وبيع واحد من ثلاثة بالشرط السابق ، والحادية عشر إذا كان الصغير مراهقا ، ورضيت أمه ببيعه فإنه يجوز كما في فتح القدير ولو كان مع امرأة مسبية صبي ادعت أنه ابنها لم يثبت النسب ، ولا يفرق بينهما احتياطا ، ولو باع الأم على أنه بالخيار ثم اشترى الولد فإنه يكره التنفيذ لأنهما اجتمعا في ملكه ، ولو كان في يده صبي ، واشترى أمه بشرط الخيار له ردها اتفاقا لعدم الملك عنده ، ولدفع الضرر عنه عندهما ( قوله بخلاف الكبيرين والزوجين ) لأنه ليس في معنى ما ورد به النص ، وقد صح { أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين مارية وسيرين وكانتا كبيرتين أختين } ، ولا يدخل الزوجان لأن النص ورد على خلاف القياس فيقتصر على مورده فإن فرق في موضع المنع كره ، وجاز العقد ، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز في قرابة الولاد ، ويجوز في غيرها ، وعنه لا يجوز في الجميع لأن الأمر بالإدراك ، والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد ، ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله ، وإنما الكراهية لمعنى مجاور فشابه كراهية الاستيام ، وفي الجوهرة ، وكل ما يكره من التفريق في البيع [ ص: 110 ] يكره في القسمة في الميراث ، والغنائم ا هـ . والله تعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ورضيت أمه ببيعه ) عبارة الفتح لو كان الولد مراهقا فرضي بالبيع ، واختاره ، ورضيت أمه جاز بيعه .




                                                                                        الخدمات العلمية