الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 291 ] ( باب ) بالتنوين ( في البيوع المنهي عنها وما يتبعها ) ثم النهي إن كان لذات العقد أو لازمه بأن فقد بعض أركانه أو شروطه اقتضى بطلانه وحرمته لأن تعاطي العقد الفاسد أي مع العلم بفساده أو مع التقصير في تعلمه لكونه مما لا يخفى كبيع الملاقيح وهو مخالط للمسلمين بحيث يبعد جهله بذلك حرام على المنقول المعتمد سواء ما فساده بالنص والاجتهاد وقيد ذلك الغزالي واعتمده الزركشي بما إذا قصد به تحقيق المعنى الشرعي دون إجراء اللفظ من غير تحقيق معناه فإنه باطل ثم إن كان له محمل كملاعبة الزوجة بنحو بعتك نفسك لم يحرم وإلا حرم إذ لا محمل له غير المعنى الشرعي وقد يجوز لاضطرار تعاطيه كأن امتنع ذو طعام من بيعه منه إلا بأكثر من قيمته فله الاحتيال بأخذه منه ببيع فاسد حتى لا يلزمه إلا المثل أو القيمة أو الخارج عنه اقتضى حرمته فقط فمن الأول أشياء منها { ( نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب ) } [ ص: 292 ] بفتح فسكون للمهملتين ( { الفحل } ) رواه الشيخان ( وهو ضرابه ) أي طروقه للأنثى و هذا هو الأشهر ومن ثم حكى مقابليه بيقال ( ويقال ماؤه ) وكل من هذين لا يتعلق به نهي فالتقدير عن بدل عسبه من أجرة ضرابه وثمن مائه أي عن إعطاء ذلك وأخذه ( ويقال أجرة ضرابه ) والفرق بين هذا والأول أن الأجرة ثم مقدرة وهنا ظاهرة ( فيحرم ثمن مائه ) ويبطل بيعه لأنه غير معلوم ولا متقوم ولا مقدور على تسليمه ( وكذا أجرته ) للضراب ( في الأصح ) لأن فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك وفارق الإيجار لتلقيح النخل بأن المستأجر عليه هو فعل الأجير الذي هو قادر عليه ويجوز الإهداء لصاحب الفحل بل لو قيل بندبه [ ص: 293 ] لم يبعد وتسن إعارته للضراب .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( باب ) ( قوله : أو الخارج عنه ) أي بأن لا يكون لذاته ولا للازمه بقرينة ما تقدم [ ص: 292 ] قوله : وكل من هذين ) في تخصيصهما نظر لأن الثالث أيضا كذلك إذ الأجرة لا يتعلق بها نهي بل بإعطائها وأخذها كما هو ظاهر ( قوله : أي عن إعطاء ذلك إلخ ) أي والعقد المقتضي لذلك أيضا كما هو ظاهر ( قوله : والفرق بين هذا والأول ) أي باعتبار المراد وإلا فتباين المعنيين لاشتباه فيه حتى يحتاج لبيان إذ تباين الضراب والأجرة في غاية الظهور ( قوله : والفرق بين هذا والأول إلخ ) عبارة شرح العباب وإنما جاز الاستئجار لتلقيح النخل لأن الأجير قادر على تسليم نفسه وليس عليه عين حتى لو شرط عليه ما يلقح به فسدت الإجارة أيضا وهنا المقصود الماء والمؤجر عاجز عن تسليمه وعلم مما تقرر أن صورة المسألة أن يستأجره للضراب فإن استأجره على أن ينزي فحله على أنثى أو إناث صح قاله القاضي لأن فعله مباح وعمله مضبوط عادة ويتعين الفحل المعين لاختلاف الغرض به فإن تلف بطلت الإجارة ا هـ وقد يستشكل هذا مع تفسيره الضراب بالطروق ويقال لم يظهر مغايرته للإنزاء المذكور ولا إشكال لأن الطروق فعل الفحل بخلاف الإنزاء فإنه فعل صاحب الفحل فليتأمل .

                                                                                                                              ( قول المصنف فيحرم ثمن مائه ) أي إعطاؤه وأخذه وقوله : وكذا أجرته هل يستحق أجرة المثل كما في الإجارات الفاسدة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( باب في البيوع المنهي عنها ) ( قوله : بالتنوين ) إلى المتن في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وقيد الغزالي إلى وقد يجوز ( قوله : وما يتبعها ) منه تلقي الركبان والنجش ا هـ ع ش ( قوله : ثم النهي ) أي من حيث هو لا بقيد كونه في هذا الباب ا هـ ع ش ( قوله : لأن تعاطي العقد ) علة للحرمة وقضيته أن التحريم إنما نشأ من فساد العقد فليس هو مقتضى النهي والأولى أن يقال النهي يقتضي التحريم مطلقا سواء رجع لذات العقد أو لا أو معنى خارج أو كان المنهي عنه غير عقد ويقتضي الفساد إن رجع لذات العقد أو لازمه ويحرم من حيث تعاطي العقد الفاسد كما أنه يحرم لكونه منهيا عنه ا هـ ع ش وقوله : ويحرم من حيث إلخ والأولى فحرمة تعاطي العقد الفاسد لكونه منهيا عنه ( قوله : أو مع التقصير إلخ ) لعل هذا مفروض في عالم بوجوب التعلم أما جاهل بأصل وجوب التعلم فيبعد كل البعد تأثيمه ا هـ سيد عمر عبارة ع ش قوله : م ر أو مع التقصير إلخ قضيته أنه مع التقصير يأثم بتعاطي العقد الفاسد كما يأثم بترك التعلم فليس الإثم بالتقصير دون تعاطي العقد ولعل هذا مراد حج بقوله حرام على المنقول المعتمد يعني أن المراد أن تعاطي العقد الفاسد مع الجهل بفساده حرام حيث قصر في التعلم فليست الحرمة مخصوصة بالتقصير ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بحيث يبعد جهله بذلك ) يؤخذ من ذلك أن ما يقع كثيرا في قرى مصرنا من بيع الدواب ويؤجل الثمن إلى أن يؤخذ من أولاد الدابة المسمى ببيع المتاومة لا إثم على فاعله لأن هذا يخفى فيعذر فيه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : حرام إلخ ) خبر قوله لأن إلخ ( قوله : والاجتهاد ) الواو بمعنى أو كما عبر به النهاية ( قوله : وقيد ذلك ) أي كون العقد الفاسد حراما ( وقوله : من غير تحقيق معناه ) أي بأن أطلق أو قصد غير المعنى الشرعي ا هـ ع ش ( قوله : فإنه إلخ ) أي إجراء اللفظ إلخ ( وقوله : ثم إلخ ) أي بعد أن كان باطلا ا هـ كردي ( قوله : محمل ) أي عرفا ا هـ ع ش ( قوله : إذ لا محمل له إلخ ) هو واضح عند الإطلاق كما هو ظاهر أما لو قصد غير المعنى الشرعي ففيه نظر وينبغي عدم الحرمة ا هـ ع ش ( قوله : وقد يجوز إلخ ) صادق بما إذا أدت الضرورة إلى الربا كامتناع موسر من إقراض مضطر فليحرر ا هـ بصري ومر عن ع ش الجزم بذلك وكذا عبارة المغني وهي وتعاطي العقود الفاسدة حرام في الربوي وغيره إلا في مسألة المضطر المعروفة وهي فيما إذا لم يبعه مالك الطعام إلخ ا هـ صريحة في الشمول ( قوله : تعاطيه ) أي العقد الفاسد ( قوله : كأن امتنع ذو طعام ) أي أو ذو دابة من إيجارها ا هـ ع ش ( قوله : فله الاحتيال ) أي فلو لم يفعل ذلك بل اشتراه بما سماه البائع لزمه المسمى واضطراره لا يجعله مكرها على العقد بما ذكر ا هـ ع ش ( قوله : أو القيمة ) قضية التعبير بالقيمة أنه لا يلزمه أقصى القيم وقد يوجه بأن جواز ذلك له أخرجه عن نظائره من العقود الفاسدة ويحتمل أن المراد بالقيمة أقصى القيم ولكن الأول هو الظاهر ولا فرق في ذلك بين أن يتلف حالا أو بعد مدة لإذن الشارع له في ذلك ع ش ورشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : أو الخارج إلخ ) عطف على قوله لذات العقد ا هـ كردي ( قوله : أو الخارج عنه ) أي بأن لا يكون لذاته ولا للازمة بقرينة ما تقدم ا هـ سم أي كالبيع وقت النداء ( قوله : فمن الأول أشياء ) عبارة المغني ثم شرع في [ ص: 292 ] القسم الأول أي البيع الفاسد لاختلال ركن أو شرط وهو ثمانية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بفتح ) إلى قوله وتسمية ما في الأول في النهاية والمغني إلا قوله بل لو قيل يندب لم يبعد وقوله : أو مضمان إلى المتن ( قوله : فسكون إلخ ) أي وبالباء الموحدة نهاية ومغني قول المتن ( ضرابه ) في المصباح ضرب الفحل الناقة ضرابا بالكسر نزا عليها انتهى ا هـ ع ش ( قوله : لا يتعلق به نهي ) أي لأنه ليس من أفعال المكلفين ا هـ نهاية ( قوله : أي عن إعطاء إلخ ) أي والعقد المقتضي لذلك أيضا سم و ع ش ( قوله : والفرق إلخ ) الأحسن أن يقال الفرق أنه يحتاج على التفسير الأول إلى تقدير الأجرة ليصح المعنى وعلى هذا لا يحتاج لأنها هي محمل اللفظ ا هـ سيد عمر عبارة النهاية والفرق بين هذا والأول أن الأجرة ثم مقدرة مع عمومه وهنا ظاهرة وهذه حكمة اقتصار الشارح على ذكر التقدير في الأولين مع أنه جار في الثلاثة مع أن الأولين فيهما تقديران وفي الثالث واحد ا هـ قال ع ش قوله : مع عمومه أي المقدر بمعنى احتماله لغير الأجرة وقوله : وهذه أي الحكمة المشار إليه بقوله والفرق إلخ ا هـ عبارة سم .

                                                                                                                              قوله : والفرق إلخ أي باعتبار المراد وإلا فتباين المعنيين لا اشتباه فيه حتى يحتاج لبيان إذ تباين الضراب والأجرة في غاية الظهور ا هـ قول المتن ( فيحرم ثمن مائه ) أي إعطاؤه وأخذه ا هـ سم ( قوله : ولا متقوم ) أي لا قيمة له شرعا وليس المراد به ما قابل المثلي ا هـ ع ش قول المتن ( وكذا أجرته ) أي إيجاره وهل يستحق أجرة المثل كما في الإجارات الفاسدة سم على حج أي أولا لأن طروقه للأنثى لا مثل له يقابل بأجرة فيه نظر والأول أقرب وعليه فالمراد أجرة مثله لو استعمل فيما يقابل بأجرة كالحرث مدة وضع يده عليه للانتفاع المذكور ومحل حرمة الاستئجار حيث استأجره للضراب قصدا فلو استأجره لينتفع به ما شاء جاز أن يستعمله في الإنزاء تبعا لاستحقاقه المنفعة بخلاف ما لو استأجره للحرث أو نحوه فلا يجوز استعماله في الإنزاء لأنه إنما أذن له في استعماله فيما سماه له من حرث أو غيره ا هـ ع ش وقوله : والأول أقرب فيه وقفه بل تعليل الشارح ظاهر في الثاني .

                                                                                                                              ( قوله : وفارق الإيجار إلخ ) عبارة شرح العباب وعلم مما تقرر أن صورة المسألة أن يستأجره للضراب فإن استأجره على أن ينزى فحله على أنثى أو إناث صح قاله القاضي لأن فعله مباح وعمله مضبوط عادة ويتعين الفحل المعين في العقد لاختلاف الغرض به فإن تلف أي أو تعذر إنزاؤه بطلت الإجارة ا هـ وقد يستشكل هذا مع تفسير الضراب بالطروق ويقال لم تظهر مغايرته للإنزاء المذكور ولا إشكال لأن الطروق فعل الفحل بخلاف الإنزاء فإنه فعل صاحب الفحل فليتأمل سم على حج لكن قد يرد عليه أن الإنزاء وإن كان من فعل صاحب الفحل إلا أن نزوان الفحل باختياره وصاحبه عاجز عن تسليمه وقد يجاب بإن الإجارة على فعل المكلف الذي هو الإنزاء والمراد منه محاولة صعود الفحل على الأنثى على ما جرت به العادة وفعل الفحل وإن كان هو المقصود لكنه ليس معقودا عليه فيستحق الأجرة إذا حصل الطروق بالفعل فلو لم يحصل لم يستحق أجرة فراجعه ا هـ ع ش ( قوله : لو قيل يندب إلخ ) قد يتوقف فيه بما نقله في العزيز عن الإمام أحمد من منع الإهداء ا هـ سيد عمر عبارة ع ش عبارة سم على [ ص: 293 ] منهج قال م ر ويستحب هذا الإعطاء انتهت وظاهره سواء كان ذلك قبل إعطاء الفحل أو بعده ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وتسن إعارته للضراب ) ومحل ذلك حيث لم يتعين وإلا وجبت مجانا وكان الامتناع منها كبيرة حيث لا ضرر عليه في ذلك وينبغي وجوب اتخاذ الفحل على أهل البلد حيث تعين لبقاء نسل دوابهم على الكفاية حيث لم يتيسر لهم استعارته مما يقرب من بلدتهم عرفا ا هـ ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية