الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) شرائط ( إحصان الرجم ) سبعة ( الحرية والتكليف ) عقل وبلوغ ( والإسلام والوطء ) وكونه ( بنكاح صحيح ) حال الدخول [ ص: 17 ] ( و ) كونهما ( بصفة الإحصان ) المذكورة وقت الوطء ، فإحصان كل منهما شرط لصيرورة الآخر محصنا ، فلو نكح أمة أو الحرة عبدا فلا إحصان إلا أن يطأها بعد العتق فيحصل الإحصان به لا بما قبله ، حتى لو زنى ذمي بمسلمة ثم أسلم لا يرجم بل يجلد . وبقي شرط آخر ذكره ابن كمال ، وهو أن لا يبطل إحصانهما بالارتداد ، فلو ارتدا ثم أسلما لم يعد إلا بالدخول بعده ، ولو بطل بجنون أو عته عاد بالإفاقة ، [ ص: 18 ] وقيل بالوطء بعده ( و ) اعلم أنه ( لا يجب بقاء النكاح لبقائه ) أي الإحصان ; فلو نكح في عمره مرة ثم طلق وبقي مجردا وزنى رجم ، ونظم بعضهم الشروط فقال : شروط الإحصان أتت ستة فخذها عن النص مستفهما     بلوغ وعقل وحرية
ورابعها كونه مسلما     وعقد صحيح ووطء مباح
متى اختل شرط فلا يرجما

التالي السابق


مطلب شرائط الإحصان ( قوله وشرائط إحصان الرجم ) الإضافة بيانية : أي الشرائط التي هي الإحصان ، فالإحصان هو الأمور المذكورة فهي أجزاؤه ، وقيد بالرجم ; لأن إحصان القذف غير هذا كما سيأتي فتح ملخصا ( قوله عقل وبلوغ ) بدل من قوله والتكليف وبيان له . واعترض بأن التكليف شرط لكون الفعل زنا . ; لأن فعل الصبي والمجنون ليس بزنا أصلا ، وأجاب في البحر بأنه إنما جعله شرط الإحصان لأجل قوله كونهما بصفة الإحصان ا هـ يعني أنه شرط باعتبار أن الزاني لو كان رجلا مثلا فلا يرجم إلا إذا كان قد وطئ زوجة له مكلفة ، فكونها مكلفة شرط في كونه محصنا لا في كون فعله الذي فعله مع الأجنبية زنا ولذا لم يجلد به إذا لم تكن زوجته مكلفة ولا يرجم لعدم إحصانه ( قوله والإسلام ) لحديث { من أشرك بالله فليس بمحصن } ورجمه صلى الله عليه وسلم اليهوديين إنما كان بحكم التوراة قبل نزول آية الرجم ثم نسخ بحر ، وتحقيقه في الفتح ، وخالف في هذا الشرط أبو يوسف والشافعي ( قوله والوطء ) أي الإيلاج وإن لم ينزل كما في الفتح وغيره ( قوله وكونه بنكاح صحيح ) خرج الفاسد كالنكاح بغير شهود فلا يكون به محصنا ط .

وينبغي أن يزيد اتفاقا لما سيذكره المصنف قبيل حد الشرب أنه لو كان بلا ولي لا يكون محصنا عند الثاني تأمل ( قوله حال الدخول ) متعلق بقوله صحيح . قال في الفتح : يعني تكون الصحة قائمة حال الدخول حتى لو تزوج من علق طلاقها بتزوجها يكون النكاح صحيحا ، فلو دخل بها عقيبه لا يصير محصنا لوقوع الطلاق قبله ا هـ وتبعه في النهر .

[ ص: 17 ] قلت : ومقتضاه أن الوطء حصل في نكاح لكنه غير صحيح مع أنه لم يحصل في النكاح أصلا فالأولى أن يكون احترازا عما لو وطئ في نكاح موقوف على الإجازة ثم أجازت المرأة العقد أو ولي الصغيرة فلا يكون بهذا الوطء محصنا وإن كان العقد صحيحا ; لأنه وطئ في عقد لم يصح إلا بعده لا في حالة الوطء تأمل ( قوله وكونهما ) أي الزوجين المفهومين من قوله والوطء بنكاح صحيح ، وفي هذا الحل إصلاح لعبارة المتن فإنها لا تفيد اشتراط إحصان كل منهما لإحصان الآخر ، وفيه خلاف الشافعي .

قلت : وقد يكون أحدهما محصنا دون الآخر كما لو خلا بها وأقر بأنه وطئها أو بأنها كانت مسلمة وأنكرت فإذا زنى يرجم ; لأنه محصن بإقراره كما سيأتي قبيل حد الشرب ( قوله فلو نكح أمة إلخ ) تفريع على الشرط الأخير : أي لو نكح الحر أمة أو العبد حرة ووطئها لم يكن واحد منهما محصنا إلا أن يطأها بعد العتق في الصورتين فحينئذ يحصل لكل منهما الإحصان بهذا الوطء لاتصاف كل منهما بصفة الإحصان وقته ، حتى لو زنى أحدهما بعد هذا الوطء يرجم ، بخلاف الوطء الحاصل قبل العتق ، وكذا لو دخل الحر المكلف المسلم بمنكوحته الكافرة أو المجنونة أو الصغيرة لم يكن أحدهما محصنا إلا أن يطأها ثانيا بعد إسلامها أو إفاقتها أو بلوغها ، وكذا لو كان الزوج صبيا أو مجنونا أو كافرا وهي حرة مكلفة مسلمة ، حتى لو دخل بها الزوج وهو كذلك ثم زنت لا ترجم لعدم إحصانها .

وصورة كون زوج المسلمة كافرا كما في الفتح أن يكونا كافرين فتسلم هي فيطأها قبل عرض القاضي الإسلام عليه وإبائه فإنهما زوجان ما لم يفرق القاضي بينهما بإبائه . ا هـ .

[ تنبيه ] اشتراط إحصان كل من الزوجين للرجم لا ينافي قولهم كما يأتي قبيل حد الشرب إذا كان أحد الزانيين محصنا دون الآخر يرجم المحصن ويجلد غير المحصن ; لأن المراد أن الرجل إذا كان محصنا الإحصان المذكور بشروطه ثم زنى بامرأة فإنه يرجم ، ثم المرأة المزني بها إذا كانت محصنة مثله ترجم أيضا وإلا فتجلد ، وكذا المرأة إذا كانت محصنة الإحصان المذكور ثم زنت برجل ( قوله حتى لو زنى ذمي بمسلمة إلخ ) أطلق الذمي فشمل لو كان له زوجة دخل بها أو لا ، وكون المزني بها مسلمة غير قيد ، وإنما لم يرجم لعدم إحصانه لكونه غير مسلم وقت الفعل وإن صار محصنا بعد إسلامه كما يفهم من الإطلاق ، فيفيد أنه لا بد في الرجم من كونه مسلما وقت الزنا ، وكذا الحرية ، حتى لو أسلم أو أعتق بعد الزنا ثم صار محصنا لا يرجم بل يجلد ، فالمراد بهذا التفريع بيان هذه الفائدة مع تأويل ما وقع في فتاوى قارئ الهداية كما أفاده في النهر ، حيث قال بعد تقرير شرائط الإحصان وهذا يقتضي أن الذمي لو زنى بمسلمة ثم أسلم لا يرجم .

ولا يعارضه ما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لو زنى أو سرق ثم أسلم إن ثبت ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد ، وإن بشهادة أهل الذمة لا يقام عليه الحد ; لأنه أراد بالحد هنا الجلد . ا هـ . ( قوله فلو ارتدا ثم أسلما إلخ ) عزاه ابن الكمال إلى شرح الطحاوي ومثله في الفتح ، وقيد بارتدادهما معا في الفتح أي ليعود النكاح بعودهما إلى الإسلام بلا تجدد عقد آخر .

بقي لو ارتد أحدهما : ففي النهر : وعن محمد لو لحقت الزوجة بدار الحرب مرتدة وسبيت لا يبطل إحصان الزوج كذا في المحيط ا هـ وهو ظاهر لما يأتي من أنه لا يجب بقاء النكاح لبقاء الإحصان وظاهره أنه يبطل إحصانها [ ص: 18 ] وإن عادت مسلمة ولذا قال : لو أسلم لم يعد إلا بالدخول بعد : أي لا بد من تحقق شروط الإحصان عند وطء آخر بعد الإسلام .

فعلم أن الردة تبطل اعتبار الوطء بالنكاح الصحيح ، وإذا بطل اعتباره بطل الإحصان سواء كان المرتد كلا منهما معا أو أحدهما ، لكن إذا ارتد أحدهما ثم أسلم لا يصير محصنا إلا بتجديد عقده عليها أو على غيرها ويطؤها بعده وهما بصفة الإحصان فيعود له إحصان جديد ; لأن الردة أبطلت الإحصان السابق ( قوله وقيل بالوطء بعده ) نسبه في النهر والبحر إلى أبي يوسف ( قوله واعلم إلخ ) ذكر هذه المسألة في الدرر ( قوله فلو نكح في عمره مرة ) أي ودخل بها درر ( قوله ثم طلق ) عبارة الدرر : ثم زال النكاح ، وهي أعم لشمولها زوال النكاح بموتها أو ردتها أو نحو ذلك ( قوله ونظم بعضهم إلخ ) نقله القاضي زين الدين بن رشيد صاحب العمدة عن الفاكهاني المالكي كما في التتائي ، ويوجد في بعض النسخ شروط الحصانة في ستة . ا هـ . ط .

أقول : وهذا هو الصواب ; لأن الشطر الأول الذي ذكره الشارح من بحر السريع والبقية من بحر المتقارب فافهم ، وقوله في آخر الأبيات فلا يرجما بالياء المثناة التحتية كما رأيناه في النسخ ، وينبغي أن يكون بالفوقية ولا ناهية وأصله لا ترجمن بنون التوكيد المخففة قلبت ألفا ، إذ لو كانت لا نافية وجب الرفع ، ولعل اقتصار الناظم على الشروط الستة لكونها مذهب المالكية وزيد عليها عندنا كونهما بصفة الإحصان وقت الوطء وعدم الارتداد فصارت ثمانية ، ويزاد كون العقد صحيحا فتصير تسعة ، وقد غيرت هذا النظم جامعا للتسعة فقلت : شرائط الإحصان تسع أتت متى اختل شرط فلا ترجما بلوغ وعقل وحرية
ودين وفقد ارتدادهما ووطء بعقد صحيح لمن
غدت مثله في الذي قدما




الخدمات العلمية