الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2339 ص: فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

                                                وأما وجهه من طريق النظر: فإنا قد رأينا وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع قد نهي فيه عن الصلاة، فأردنا أن ننظر في حكم الأوقات التي ينهى فيها عن الأشياء هل يكون على التطوع منها دون الفرائض أو على ذلك كله؟

                                                فرأينا يوم الفطر ويوم النحر قد نهى النبي - عليه السلام - عن صيامهما وقامت الحجة عنه بذلك، فكان ذلك النهي عند جميع العلماء على أن لا يصام فيهما فريضة ولا تطوع، فكان النظر على ذلك في وقت طلوع الشمس الذي قد نهي عن الصلاة فيه أن يكون كذلك أن لا يصلى فيه فريضة ولا تطوع، وكذلك يجيء النظر عند غروب الشمس، وأما نهي النبي- عليه السلام - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس فإن هذين الوقتين لم ينه عن الصلاة فيهما للوقت، وإنما نهي عن الصلاة فيهما لأجل الصلاة لا للوقت، وقد رأينا [ ص: 242 ] ذلك الوقت يجوز لمن لم يصل عصر يومه أن يصلي فيه الفرائض والصلوات الفائتة، ولما كان النهي لأجل الصلاة كان إنما ينهى عن غيرهما مما لا يشاكلهما من النوافل لا من الفرائض، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، وقد قال بذلك الحكم وحماد .

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، قال: "سألت الحكم وحمادا عن الرجل ينام عن الصلاة فيستيقظ وقد طلع من الشمس شيء، قالا: لا يصلي حتى تنبسط" والله أعلم.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي هذا الذي ذكرناه وجه هذا الباب من طريق التوفيق بين الأحاديث والأخبار.

                                                وأما وجهه من طريق النظر والقياس، فإنا قد رأينا. . . إلى آخره.

                                                تقريره: أن الأوقات التي ورد النهي فيها عن الأشياء تارة تكون على سبيل العموم وتارة تكون على سبيل الخصوص.

                                                فالأول: كيومي العيدين ; فإنه ورد النهي عن صيامهما، وأجمع العلماء على أن ذلك عام سواء كان صوم الفرض كالمنذور وقضاء رمضان أو صوم التطوع ; فإن كل ذلك يكره ; فكان النظر والقياس على ذلك أن يكون معنى النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها عاما شاملا للصلاة الفرض والصلاة التطوع.

                                                والثاني: أن يقتصر النهي على النوافل كالنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وبعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، فإن النهي عن ذلك ليس بعام ; لأن النهي ليس لمعنى في الوقت بل لأجل الصلاة تعظيما لها، فحينئذ يمنع عن الصلاة التي ليست بمشاكلة لها كالنوافل لا الفرائض بخلاف القسم الأول، فإن النهي فيه لأجل معنى في الوقت وهو كون وقت الطلوع ووقت الغروب منسوبا إلى الشيطان حيث قال في الحديث: "فإنها تطلع بين قرني الشيطان" وقد ذكرنا تحقيق ذلك في باب المواقيت.

                                                [ ص: 243 ] قوله: "وقد قال بذلك الحكم وحماد " أي: قد قال بما ذكرنا من ترك الصلاة وقت طلوع الشمس إلى حين ارتفاعها سواء كانت فرضا أو نفلا: الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أحد مشايخ أبي حنيفة .

                                                أخرج ذلك عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة بن الحجاج ، عنهما.

                                                وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه": عن الثوري ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن رجل من ولد كعب بن عجرة : "أنه نام عن الفجر حتى طلعت الشمس قال: فقمت أصلي. قال: فدعاني فأجلسني -يعني كعبا - حتى ارتفعت الشمس وابيضت ثم قال: قم فصل".

                                                [ ص: 244 ]



                                                الخدمات العلمية