الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      202 حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ قال فقلت له صليت ولم تتوضأ وقد نمت فقال إنما الوضوء على من نام مضطجعا زاد عثمان وهناد فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله قال أبو داود قوله الوضوء على من نام مضطجعا هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئا من هذا وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي و قال شعبة إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث ابن عباس حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر قال أبو داود وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ولم يعبأ بالحديث

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( الدالاني ) : منسوب إلى دالان بن سابقة بطن من همدان ( وينفخ ) : النفخ هو إرسال الهواء من الفم بقوة ، والمراد هنا ما يخرج من النائم حين استغراقه في نومه أي كان يتنفس بصوت حتى يسمع منه صوت النفخ ( فقلت ) : القائل ابن عباس ( وقد نمت ) : جملة حالية ، ونمت بكسر النون . قال ابن رسلان فيه دليل على أن الوضوء من النوم كان معلوما مشتهرا عندهم ( إنما الوضوء على من نام مضطجعا ) : أي من نام على جنبه على الأرض ، يقال ضجعت ضجعا من باب نفع وضعت جنبي بالأرض وأضجعت بالألف لغة ، والمضجع بفتح الميم والجيم موضع الضجوع والجمع مضاجع واضطجع واضجع والأصل افتعل ، لكن من العرب من يقلب التاء طاء ويظهرها عند الضاد ، ومنهم من يقلب التاء ضادا ويدغمها في الضاد تغليبا للحرف الأصلي وهو الضاد ، ولا يقال اطجع بطاء مشددة كذا في المصباح . قال بعض العلماء : أي لا يجب الوضوء على نائم إلا على هذا النائم أو من في معناه بأن يكون مشاركا في العلة وهي استرخاء الأعضاء وقد أشار إليه بقوله فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ، فحيث دارت العلة يدور معها المعلول ، ولهذا قالوا إذا كان ساجدا على هيئة السنة لا تنقض طهارته . انتهى .

                                                                      ( زاد عثمان وهناد ) : في روايتهما ( فإنه ) : أي المصلي وغيره ( إذا اضطجع استرخت مفاصله ) : الرخو اللين : أي لانت مفاصله وهي جمع مفصل وهو رءوس العظام والعروق . قال العيني : إن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يخلو عن خروج شيء من الريح عادة أي من عادة النائم المضطجع والثابت بالعادة كالمتيقن به . انتهى " هو حديث منكر " : قال السخاوي : إن الصدوق إذا تفرد بما لا متابع له فيه ولا شاهد ولم [ ص: 266 ] يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول فهذا أحد قسمي الشاذ فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشذ في شذوذه وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط ، فهذا القسم الثاني من الشاذ ، وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو الضعف في بعض مشايخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر ، وهو الذي يوجب إطلاق المنكر لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي ، وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني من المنكر . فالحاصل أن كلا من الشاذ والمنكر قسمان يجتمعان في مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق غير ضابط ، والمنكر راويه ضعيف لسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك .

                                                                      ( وروى أوله ) : أي أول الحديث وهو قوله : كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ ( لم يذكروا شيئا من هذا ) : أي سؤال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : صليت ولم تتوضأ ، وقد نمت وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله : إنما الوضوء على من نام مضطجعا . قال ابن رسلان : فعلى هذا فيكون الحديث آخره مفردا دون أوله . قلت : روايات جماعة عن ابن عباس التي أشار إليها المؤلف لم أقف عليها نعم روى كريب وسعيد بن جبير عن ابن عباس بألفاظ متقاربة بلفظ أول هذا الحديث لا بعينه ، أما رواية كريب فأخرجها مسلم عن كريب عن ابن عباس قال : " بت ليلة عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل " الحديث وفيه : ثم اضطجع فنام حتى نفخ ، وكان إذا نام نفخ ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ . وأما رواية سعيد بن جبير فأخرجها المؤلف في باب صلاة الليل ( قال ) : أي ابن عباس كما هو ظاهر من سياق العبارة ، وليس في النسخ الحاضرة عندي اسم القائل ، لكن نقل البيهقي في المعرفة عن المؤلف أن قائله هو عكرمة ولفظه : وقال عكرمة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان محفوظا ، وقالت عائشة إلخ قال البيهقي : وقد ذكرنا إسنادهما في السنن ( محفوظا ) : أي عن نوم القلب ( ولا ينام قلبي ) : ليعي الوحي الذي يأتيه ، ولذا كانت رؤياه وحيا ولا تنقض طهارته بالنوم ، وكذا الأنبياء لقوله صلى الله عليه وسلم : إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا ، ومقصود المؤلف من إيراد قول ابن [ ص: 267 ] عباس أو عكرمة وحديث عائشة تضعيف آخر الحديث . أي سؤال ابن عباس بقوله : صليت ولم تتوضأ وقد نمت ، وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله : إنما الوضوء على من نام مضطجعا ، وتقريره أن آخر الحديث يدل على أن نومه صلى الله عليه وسلم مضطجعا ، ناقض لوضوئه ، والحال أنه مخالف لحديث عائشة : تنام عيناي ولا ينام قلبي أخرجه الشيخان ، ولقول ابن عباس أو عكرمة كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا . والحاصل أن آخر الحديث مع أنه منكر مخالف في المعنى للحديث الصحيح المتفق عليه .

                                                                      فإن قلت : حديث نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي عن صلاة الصبح حيث كانوا قافلين من سفر معارض لحديث عائشة ، إذ مقتضى عدم نوم القلب إدراكه كل ما يحتاج إليه ، فلا يغيب عن علمه وقت الصبح ، فكيف نام حتى طلعت الشمس وحميت وأيقظه عمر رضي الله عنه بالتكبير كما أخرجه الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنه .

                                                                      قلت : إن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به ، كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان . قاله النووي .

                                                                      ( أربعة أحاديث ) : وليس حديث أبي خالد الدالاني منها فيكون الحديث منقطعا ، وقال البيهقي في المعرفة : فأما هذا الحديث قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ وأنكروا سماعه من قتادة : أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل وغيرهما . انتهى ( حديث يونس بن متى ) : بفتح الميم والتاء المشددة ، وحديثه أخرجه المؤلف في باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ( وحديث ابن عمر في الصلاة ) : لعل المراد بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب أخرجه الشيخان والنسائي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر والشيخان أيضا من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولم يخرجه أحد من هؤلاء من رواية قتادة عن أبي العالية عن ابن عمر لكن قول شعبة وحديث ابن عمر في الصلاة يدل على أن قتادة سمعه من أبي العالية عن ابن عمر ، وفي الخلاصة وغيره من كتب الرجال أن أبا العالية سمع من ابن عمر والله أعلم و ( حديث : القضاة ثلاثة ) : أخرج هذا الحديث المؤلف والترمذي وابن ماجه والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث ابن بريدة عن أبيه مرفوعا وصححه الحاكم وغيره ، فلفظ أبي داود في باب القاضي يخطئ القضاة ثلاثة : [ ص: 268 ] واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ( وحديث ابن عباس ) : حديث ابن عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم أنه قال : شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس انتهى .

                                                                      ( وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل ) : أي سألته ليبين لي حاله من الصحة والضعف ( فانتهرني ) : أي زجرني أحمد ( استعظاما له ) : أي إنكارا لحديث يزيد الدالاني ، أي استعظم شأنه من جهة ضعفه وزجره عن تذكرته بمثل هذه الأحاديث المعلولة والضعيفة ( فقال أحمد ما ليزيد الدالاني ) : أي ما باله وشأنه ( يدخل ) : من الإدخال ( على أصحاب قتادة ) : أي شيوخه ما لم تقله ، أي ما لم تروه شيوخ قتادة عن شيوخهم ، فما يرويه يزيد الدالاني عن قتادة عن شيوخهم مدخول عليهم ، وحقيقة القول : المدخول ما لم يقله صاحبه بل أدخله غيره ونسبه إليه ، ونظيره ما قاله البخاري كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ . قال الحافظ في التلخيص : يعني يدخل في رواياتهم ما ليس منها . انتهى ( ولم يعبأ ) : أي لم يبال أحمد ( بالحديث ) : لضعفه . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وذكر أن قتادة رواه عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه ، وقال أبو القاسم البغوي : يقال إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ، وقال الدارقطني : تفرد به يزيد وهو الدالاني عن قتادة ولا يصح ، وذكر ابن حبان البستي أن يزيد الدالاني كان كثير الخطأ فاحش الوهم يخالف الثقات في الرواية حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معلولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج بها إذا وافق الثقات ، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات وذكر أبو أحمد الكرابيسي الدالاني هذا فقال لا يتابع في بعض أحاديثه . وسئل أبو حاتم الرازي عن الدالاني هذا فقال : صدوق ثقة ، وقال الإمام أحمد بن حنبل : يريد لا بأس به ، وقال يحيى بن معين وأبو عبد الرحمن النسائي : ليس به بأس . وقال البيهقي : فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد [ ص: 269 ] الدالاني جميع الحفاظ ، وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري وغيرهما ، ولعل الشافعي رضي الله عنه وقف على علة هذا الأثر حتى رجع عنه في الجديد . هذا آخر كلامه . ولو فرض استقامة حال الدالاني كان فيما تقدم من الانقطاع في إسناده والاضطراب ومخالفة الثقات ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين . انتهى كلام المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية