الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث .

في هذه السنة انخسف القمر مرتين : أولاهما ليلة رابع عشر صفر ، وفيها كانت أعجوبة بالقرب من الموصل حامة تعرف بعين القيارة ، شديدة الحرارة ، تسميها الناس عين ميمون ، ويخرج مع الماء قليل من القار . فكان الناس يسبحون فيها دائما في الربيع والخريف; لأنها تنفع من الأمراض الباردة كالفالج وغيره نفعا عظيما ، فكان من يسبح فيها يجد الكرب الشديد من حرارة الماء ، ففي هذه السنة برد الماء فيها ، حتى كان السابح فيها يجد البرد ، فتركوها وانتقلوا إلى غيرها .

وفيها كثرت الذئاب والخنازير والحيات ، فقتل كثير ، فلقد بلغني أن ذئبا دخل الموصل فقتل فيها ، وحدثني صديق لنا ، له بستان بظاهر الموصل ، أنه قتل فيه في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، جميع الصيف حيتين ، وقتل هذه السنة إلى أول حزيران سبع حيات لكثرتها .

[ ص: 421 ] وفيها انقطع المطر بالموصل وأكثر البلاد الجزرية من خامس شباط إلى ثاني عشر نيسان ، ولم يجر شيء يعتد به ، لكنه سقط اليسير منه في بعض القرى ، فجاءت الغلات قليلة ، ثم خرج الجراد الكثير ، فازداد الناس أذى ، وكانت الأسعار قد صلحت شيئا ، فعادت لكثرة الجراد فغلت ، ونزل أيضا في أكثر القرى برد كبير ، أهلك زروع أهلها وأفسدها ، واختلفت أقاويل الناس في أكبره ، كان وزن بردة مائتي درهم ، وقيل رطل ، وقيل غير ذلك ، إلا أنه أهلك كثيرا من الحيوان ، وانقضت هذه السنة والغلاء باق وأشده بالموصل .

وفيها اصطاد صديق لنا أرنبا ، فرآه وله أنثيان وذكر وفرج أنثى ، فلما شقوا بطنها رأوا فيها حريفين ، سمعت هذا منه ومن جماعة كانوا معه ، وقالوا : ما زلنا نسمع أن الأرنب يكون سنة ذكرا وسنة أنثى ، ولا نصدق ذلك ، فلما رأينا هذا ، علمنا أنه قد حمل وهو أنثى ، وانقضت السنة فصار ذكرا ، فإن كان كذلك ، وإلا فيكون في الأرانب كالخنثى في بني آدم ، يكون لأحدهم فرج الرجل وفرج الأنثى ، كما أن الأرنب تحيض كما تحيض النساء ، فإني كنت بالجزيرة ، ولنا جار له بنت اسمها صفية ، فبقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة ، وإذا قد طلع لها ذكر رجل ، ونبتت لحيته ، فكان له فرج امرأة وذكر رجل .

وفيها ذبح إنسان عندنا رأس غنم ، فوجد لحمه مرا شديد المرارة ، حتى رأسه وأكارعه ومعلاقه وجميع أجزائه ، وهذا ما لم يسمع بمثله .

[ ص: 422 ] وفيها يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي القعدة ضحوة النهار ، زلزلت الأرض بالموصل وكثير من البلاد العربية والعجمية ، وكان أكثرها بشهرزور ، فإنها خرب أكثرها ، ولا سيما القلعة ، فإنها أجحفت بها ، وخرب من تلك الناحية ست قلاع ، وبقيت الزلزلة تتردد فيها نيفا وثلاثين يوما ، ثم كشفها الله عنهم ، وأما القرى بتلك الناحية فخرب أكثرها .

[ الوفيات ] .

وفيها في رجب ، توفي القاضي حجة الدين أبو منصور المظفر بن عبد القاهر بن الحسن بن علي بن القاسم الشهرزوري ، قاضي الموصل بها ، وكان قد أضر قبل وفاته بنحو سنتين ، وكان عالما بالقضاء ، عفيفا ، نزها ، ذا رئاسة كبيرة ، وله صلات دارة للمقيم والوارد - رحمه الله ، فلقد كان من محاسن الدنيا ، ولم يخلف غير بنت توفيت بعده بثلاثة أشهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية