الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3052 1717 - (3061) - (1\330 - 331) إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا عباس، إما أن تقوم معنا، وإما أن يخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدءوا فتحدثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه، ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله "، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: "أين علي؟ " قالوا: هو في الرحى يطحن، قال: "وما كان أحدكم ليطحن؟ " قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثا، فأعطاها إياه، فجاء بصفية بنت حيي. قال: ثم بعث فلانا بسورة التوبة، فبعث عليا خلفه، فأخذها منه، قال: "لا يذهب بها إلا رجل مني، وأنا منه "، قال: وقال لبني عمه: "أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ "، قال: وعلي معه جالس، فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، قال: "أنت وليي في الدنيا والآخرة "، [ ص: 139 ] قال: فتركه، ثم أقبل على رجل منهم، فقال: "أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " فأبوا، قال: فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال: "أنت وليي في الدنيا والآخرة". قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي، وفاطمة، وحسن، وحسين، فقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب: 33] قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر، وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال: يا نبي الله. قال: فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون، فأدركه. قال: فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار، قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله، وهو يتضور، قد لف رأسه في الثوب، لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك. قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك؟ قال: فقال له نبي الله: "لا " فبكى علي، فقال له: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي "، قال: وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت وليي في كل مؤمن بعدي". وقال: وسد أبواب المسجد غير باب علي، فقال: فيدخل المسجد جنبا، وهو طريقه ليس له طريق غيره، قال: وقال: "من كنت مولاه، فإن مولاه علي".

قال: وأخبرنا الله عز وجل في القرآن أنه قد رضي عنهم، عن أصحاب الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدثنا أنه سخط عليهم بعد؟

قال: وقال [ ص: 140 ] نبي الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال: ائذن لي فلأضرب عنقه . قال: "وكنت فاعلا؟ وما يدريك، لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم".


التالي السابق


* قوله: "إذ أتاه تسعة رهط": أي: تسعة رجال هم رهط، مثل قوله تعالى: وكان في المدينة تسعة رهط [النمل: 48].

* "وإما أن تخلونا": من أخلاه، يقال: استخلى الملك، فأخلاه; أي: سأله أن يجتمع معه في خلوة، ففعل.

* "هؤلاء": بيان للضمير، ومثله ينصب بتقدير أعني; أي: نريد هؤلاء الجماعة.

* "أف": هو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره.

* "تف": - بالتاء المثناة من فوق - : مثل "أف" لفظا، وهو من إتباعه.

* "له عشر" : أي: عشر خصال.

* "فاستشرف لها": أي: لهذه المقالة.

* "فجاء بصفية": أي: ففتح خيبر.

* "ثم بعث فلانا": أي: أبا بكرة - رضي الله تعالى عنه - .

* "إلا رجل مني وأنا منه": يمكن تقدير المبتدأ في الأول; ليكون العطف بين الجملتين; أي: هو مني، وأنا منه، ويمكن عدم التقدير، فيكون عطف صفة جملة على صفة مفردة، والمقصود: إلا رجل بيني وبينه قرابة واتصال كالجزئية.

* "يواليني في الدنيا والآخرة": أي: ينصرني وأنا في الدنيا، وينصرني وأنا في الآخرة; بقضاء ديوني بعدي، والسعي فيها، أو: أيكم يساعدني في أمور الدنيا وأمور الآخرة; والله تعالى أعلم.

* "فوضعه على علي. . . إلخ": أي: حين نزل قوله تعالى: إنما يريد الله [ ص: 141 ] ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب: 33] كما ذكره الترمذي في "التفسير".

* "وشرى علي نفسه": لعله يريد أنه المراد بقوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله [البقرة: 207] أو هو داخل في جملة من أريد به.

* "ثم نام مكانه": وكان هناك مظنة القتل، وإنما فعل; لئلا يجدوا مكانه خاليا فيطلبوه من ساعته.

* "وهو يتضور": أي: يتلوى ويصيح، وينقلب ظهرا لبطن، وقيل: يتضور: يظهر الضور; بمعنى: الضرر، كذا ذكره في "النهاية" في غير هذا الحديث.

* "إنه لا ينبغي أن أذهب": أي: أخرج مسافرا وأغيب عن المدينة غيبة بعيدة كما كانت في غزوة تبوك، وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم يجعل غيره خليفة في كثير من الغزوات، ولا يخفى أن هذا الحديث بحال الحياة، ولا يتناول لما بعد الموت أصلا; إذ لا يتصور الذهاب إلا في الحياة، فلا إشكال فيه أصلا حتى يحتاج إلى ما قال المحب الطبري في "الرياض النضرة": إن المراد: خليفتي على أهلي، وأطال في تقريره ، مع أنه لا يناسب.

* قوله: "وأنت وليي": أي: متولي أمري.

* "في كل مؤمن": في شأن كل مؤمن; أي: ما كان من أمره إلي، فذاك إليك. [ ص: 142 ]

* "بعدي": أي: بعد ذهابي، فإنه صريح في العموم في تلك الغزوة، ولا يناسب ما ذكره من الخصوص كما لا يخفى، نعم ما ذكر من الخصوص بحال الحياة، فهو مدلول الكلام، لا أنه تخصيص منا كما لا يخفى على من يعرف معاني الكلام، كيف لا وعلي بنفسه ما فهم منه العموم لما بعد الموت; فقد قال له العباس: انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنكلمه، فإن كان الأمر فينا، بينه، وإن كان الأمر في غيرنا، كلمناه، وأوصى بنا، فقال علي: إن قال: الأمر في غيرنا، لم يعطناه الناس أبدا.

وقد سبق هذا الحديث مرارا من رواية ابن عباس في هذا الكتاب، وهو حديث صحيح، رواه البخاري في "صحيحه"، فظهر أن دعوى من ادعى العموم لما بعد الموت باطل، والله تعالى أعلم.

* "وسد": على بناء المفعول; أي: سدت الأبواب بأمره صلى الله عليه وسلم غير باب علي.

وقد سبق في مسند سعد بن أبي وقاص ما يتعلق بهذا الحديث مما قيل عليه أو له.

* "فيدخل المسجد جنبا": وكان ذاك مخصوصا به كما سبق تحقيقه في مسند سعد.

* "عن أصحاب الشجرة": بدل من قوله: "عنهم" وبقية الحديث قد سبق تحقيقه.

في "المجمع": رجاله رجال الصحيح، غير أبي بلج، وفيه لين.

وفي "التقريب": أبو بلج - بفتح فسكون آخره جيم - صدوق ربما أخطأ. [ ص: 143 ]

وفي "نهاية التقريب": عن يحيى بن معين: أنه ثقة، وكذا قال محمد بن سعد، والنسائي، والدارقطني، وقال البخاري: فيه نظر.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به، وكان يذكر الله كثيرا، ويقول: لو قامت القيامة، لدخلت الجنة لذكر الله - عز وجل - ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ، وقيل: كان غير ثقة، وقيل: إن ابن معين ضعفه.

وقال أحمد: روى حديثا منكرا، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية