الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ذكر] صفة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إلى الغار

أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا ابن المظفر الداودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: [ ص: 50 ] حدثنا الفربري قال: أخبرنا البخاري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر قال: أخبرنا الليث ، عن عقيل قال: قال ابن شهاب [فأخبرني عروة بن الزبير أن] عائشة رضي الله عنها قالت: بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله [مقبلا] متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .

قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل فقال لأبي بكر: "أخرج من عندك" . فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال: "فإني قد أذن لي في الخروج" قال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله . قال: "نعم" قال: فخذ إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بالثمن" . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، ووضعنا لهما سفرة من جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، ثم ربطت به فم الجراب - ولذلك سميت ذات النطاقين - قالت: ثم لحق رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فمكثا فيه [ ص: 51 ] ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن - فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش كبائت ، فلا يسمع أمرا يكاد به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل هذا كل يوم وليلة من الليالي الثلاث .

واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ، وهو على دين كفار قريش فأمناه ،فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما
.

قال مؤلف الكتاب: وقد روينا عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر لما أراد الخروج ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار في جبل ثور .

وروى الواقدي عن أشياخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمنزل أبي بكر إلى الليل ، ثم خرجا إلى الغار ، وكان خروجهما وقد بقي من صفر ثلاث ليال .

قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرجا أتانا نفر من قريش منهم أبو جهل ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك؟ فقلت: لا أدري والله أين أبي؟

فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا - فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا .

أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب قال: أخبرنا أبي ، عن ابن إسحاق قال: حدثني [ ص: 52 ] يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير : أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت:

لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كله معه - خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم - وانطلق بها معه .

قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال: إني والله لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قالت: قلت: كلا إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت كان أبي يضع فيها ماله ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت: [يا أبت] ضع يدك على هذا المال . قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس ، إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا لكم بلاغ . قالت: لا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية