الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثاني : عكسه ، وهو إيقاع السبب موقع المسبب . كقوله - تعالى - : وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى : 40 ) . وقوله - تعالى - : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( البقرة : 194 ) سمي الجزاء الذي هو السبب سيئة واعتداء ، فسمي الشيء باسم سببه وإن عبرت السيئة عما ساء - أي أحزن - لم يكن من هذا الباب ؛ لأن الإساءة تحزن في الحقيقة ، كالجناية .

ومنه : ومكروا ومكر الله ( آل عمران : 54 ) تجوز بلفظ المكر عن عقوبته لأنه سبب لها .

ومنه قوله : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ( البقرة : 282 ) إنما جعلت المرأتان للتذكير إذا وقع الضلال لا ليقع الضلال ؛ فلما كان الضلال سببا للتذكير أقيم مقامه .

ومنه إطلاق اسم الكتاب على الحفظ ؛ أي المكتوب فإن الكتابة سبب له ، كقوله [ ص: 382 ] تعالى : سنكتب ما قالوا ( آل عمران : 181 ) أي سنحفظه حتى يجازيهم عليه .

ومنه إطلاق اسم السمع على القبول ، كقوله - تعالى - : ما كانوا يستطيعون السمع ( هود : 20 ) أي ما كانوا يستطيعون قبول ذلك والعمل به ؛ لأن قبول الشيء مرتب على سماعه ومسبب عنه . ويجوز أن يكون في نفي السمع لابتغاء فائدته . ومنه قول الشاعر :


وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها فليس لمخضوب البنان يمين

أي وفاء يمين .

ومنه إطلاق الإيمان على ما نشأ عنه من الطاعة ، كقوله - تعالى - : وما كان الله ليضيع إيمانكم ( البقرة : 143 ) . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( البقرة : 85 ) أي أفتعلمون ببعض التوراة وهو فداء الأسارى ، وتتركون العمل ببعض وهو قتل إخوانهم وإخراجهم من ديارهم .

وجعل الشيخ عز الدين من الأنواع نسبة الفعل إلى سبب سببه ، كقوله - تعالى - : فأخرجهما مما كانا فيه ( البقرة : 36 ) أي كما أخرج أبويكم فلا يخرجنكما من الجنة : ينزع عنهما لباسهما ( الأعراف : 27 ) المخرج والنازع في الحقيقة هو الله - عز وجل - ، وسبب ذلك أكل الشجرة ، وسبب أكل الشجرة وسوسة الشيطان ومقاسمته على أنه من الناصحين . وقد مثل البيانيون بهذه الآية للسبب وإنما هي لسبب السبب . وقوله : وأحلوا قومهم دار البوار ( إبراهيم : 28 ) لما أمروهم بالكفر الموجب لحلول النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية