الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين

معطوف على الكلام المحذوف الذي دل عليه قوله إنهم جند مغرقون الذي تقديره : فأغرقناهم ونجينا بني إسرائيل كما قال في سورة الشعراء وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين .

والمعنى : ونجينا بني إسرائيل من عذاب فرعون وقساوته ، أي فكانت آية البحر هلاكا لقوم وإنجاء لآخرين .

والمقصود من ذكر هذا الإشارة إلى أن الله تعالى ينجي الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من عذاب أهل الشرك بمكة ، كما نجى الذين اتبعوا موسى من عذاب فرعون .

وجعل طغيان فرعون وإسرافه في الشر مثلا لطغيان أبي جهل وملئه ولأجل هذه الإشارة أكد الخبر باللام . وقد يفيد تحقيق إنجاء المؤمنين من العذاب المقدر للمشركين إجابة لدعوة ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون .

والعذاب المهين : هو ما كان يعاملهم به فرعون وقومه من الاستعباد والإشقاق عليهم في السخرة ، وكان يكلفهم أن يصنعوا له اللبن كل يوم لبناء مدينتي ( فيثوم ) و ( رعمسيس ) وكان اللبن يصنع من الطوب والتبن فكان يكلفهم استحضار التبن اللازم لصنع اللبن ويلتقطون متناثره ويذلونهم ولا يتركون لهم راحة ، فذلك العذاب المهين لأنه عذاب فيه إذلال .

[ ص: 305 ] وقوله من فرعون الأظهر أن يكون بدلا مطابقا للعذاب المهين فتكون ( من ) مؤكدة لـ ( من ) الأولى المعدية لـ " نجينا " لأن الحرف الداخل على المبدل منه يجوز أن يدخل على البدل للتأكيد . ويحسن ذلك في نكت يقتضيها المقام وحسنه هنا ، فأظهرت ( من ) لخفاء كون اسم فرعون بدلا من العذاب تنبيها على قصد التهويل لأمر فرعون في جعل اسمه نفس العذاب المهين ، أي في حال كونه صادرا من فرعون .

وجملة إنه كان عاليا مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان التهويل الذي أفاده جعل اسم فرعون بدلا من العذاب المهين . والعالي : المتكبر العظيم في النسا ، قال تعالى إن فرعون علا في الأرض .

و من المسرفين خبر ثان عن فرعون ، والإسراف : الإفراط والإكثار . والمراد هنا الإكثار في التعالي ، يراد الإكثار في أعمال الشر بقرينة مقام الذم .

و من المسرفين أشد مبالغة في اتصافه بالإسراف من أن يقال : مسرفا ، كما تقدم في قوله تعالى قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية