الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وقد ذكر الشارح هنا خيار الغبن فنتبعه فأقول : معنى الغبن في اللغة قال في الصحاح غبنه في البيع ، والشراء غبنا من باب ضرب مثل غبنه فانغبن وغبنه أي نقصه ، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون أي منقوص في الثمن أو غيره ، والغبينة اسم منه . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية من اشترى شيئا ، وغبن فيه غبنا فاحشا فله أن يرده على البائع بحكم الغبن ، وفيه روايتان ، ويفتى بالرد رفقا بالناس ثم رقم لآخر وقع البيع بغبن فاحش ذكر الجصاص وهو أبو بكر الرازي في واقعاته أن للمشتري أن يرد ، وللبائع أن يسترد ، وهو اختيار أبي بكر الزرنجري والقاضي الجلال ، وأكثر روايات كتاب المضاربة الرد بالغبن الفاحش ، وبه يفتى ثم رقم لآخر ليس له الرد والاسترداد ، وهو جواب ظاهر الرواية ، وبه أفتى بعضهم ثم رقم لآخر إن غر المشتري البائع فله أن يسترد ، وكذا إن غر البائع المشتري له أن يرد ثم رقم لآخر قال البائع للمشتري قيمته كذا فاشتراه ثم ظهر أنها أقل فله الرد ، وإن لم يقل فلا .

                                                                                        وبه أفتى صدر الإسلام ثم رقم لآخر ولو لم يغره البائع ، ولكن غره الدلال فله الرد ، ولو اشترى فيلق الإبريسم خارج البلد ممن لم يكن عالما بسعر البلد بغبن فاحش فللبائع أن يرجع على المشتري بالفيلق مثله في حق المشتري قال لغزال لا معرفة [ ص: 126 ] لي بالغزل فأتني بغزل اشتريه فأتى رجل بغزل لهذا الغزال ولم يعلم به المشتري فجعل نفسه دلالا بينهما ، واشترى ذلك الغزل له بأزيد من ثمن المثل وصرف المشتري بعضه إلى حاجته ثم علم بالغبن وبما صنع فله أن يرد الباقي بحصته من الثمن قال رضي الله تعالى عنه والصواب أن يرد الباقي ومثل ما صرف إلى حاجته ، وليسترد جميع الثمن كمن اشترى بيتا مملوءا من بر فإذا فيه دكان عظيم فله الرد وأخذ جميع الثمن قبل إنفاق شيء من عينه ، وبعده يرد الباقي ومثل ما أنفق ، ويسترد الثمن كذا ذكره أبو يوسف ومحمد . ا هـ .

                                                                                        فقد تحرر أن المذهب عدم الرد بغبن فاحش ، ولكن بعض مشايخنا أفتى بالرد به ، وفي خزانة الفتاوى خدع بغبن فاحش فالمذهب ليس له الرد ، وقال أبو بكر الزرنجري يفتى بالرد . ا هـ .

                                                                                        وبعضهم أفتى به إن غره الآخر ، وبعضهم أفتى بظاهر الرواية من عدم الرد مطلقا ، وفي الصيرفية اختار عماد الدين الرد بالغبن الفاحش إذا لم يعلم به المشتري ، وكذا في واقعات الجصاص ، وعليه أكثر روايات المضاربة ، وبه يفتي ، واختاره النسفي وأبو اليسر البزدوي ، وقال الإمام جمال الدين جدي إن غره فله الرد ، وإلا فلا ، والصحيح أن ما يدخل تحت تقويم المقومين فيسير ، وما لا ففاحش . ا هـ .

                                                                                        وكما يكون المشتري مغبوبا مغرورا يكون البائع كذلك كما في فتاوى قارئ الهداية .

                                                                                        [ ص: 126 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 126 ] ( قوله ومثل ما صرف إلى حاجته ) مقتضاه أن الغزل مثلي لأنه موزون لا قيمي ، ويدل عليه ما يأتي في الربا حيث عدوه من الأموال الربوية ، ورأيت بخط بعض مشايخ مشايخنا ما نصه : كل ما يكال أو يوزن وليس في تبعيضه مضرة يعني غير المصنوع فهو مثلي ، وكذا العددي المتقارب كالجوز والبيض والفلوس ونحوها ، وذكر صدر الإسلام أبو اليسر رحمه الله تعالى في شرح كتاب الغصب ليس كل مكيل مثليا ولا كل موزون إنما المثلي من المكيلات والموزونات ما هي متقاربة أما ما هو متفاوت فليس بمثلي فكانت المكيلات والموزونات والعدديات سواء عمادية من أنواع الضمانات ا هـ .

                                                                                        قلت : ورأيت في الفصل الثالث والثلاثين من جامع الفصولين برمز ( فر ) الخل والعصير والدقيق والنخالة والجص والنورة والقطن والصوف وغزله والتبن بجميع أنواعه مثلي ثم ذكر بعده بنحو كراسة ونصف في هذا الفصل في ضمان النساج دفع إليه غزلا لينسج فجحد الحائك الغزل وحلف ثم أقر ، وجاء به منسوجا فلو نسجه قبل جحوده فله أجره ، ولو نسجه بعد جحوده ضمن غزلا مثله لأنه مثلي ، ولا أجر له إلخ فهذا صريح النقل ، ولله الحمد فاندفع قول من قال إنه قيمي فتنبه .




                                                                                        الخدمات العلمية