الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 416 ] فصل ( في الصداع وأسبابه وفائدة الحجامة والحناء فيه )

عن سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت { ما سمعت أحدا قط يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال له احتجم ولا وجعا في رجليه إلا قال اخضبهما بالحناء } حديث حسن رواه أحمد وأبو داود ، ولأحمد أيضا والترمذي وابن ماجه بالإسناد الحسن قال { كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فما كانت تصيبه قرحة ولا نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء } وروى ابن ماجه { أنه عليه السلام كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن الله من الصداع } .

( الصداع ) وجع في الرأس فما كان لازما في أحد شقيه سمي شقيقة وإن كان شاملا لجميعه لازما سمي بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله وربما كان في مؤخر الرأس وفي مقدمه ، وحقيقة سخونة الرأس واحتماؤه لما كان فيه من البخار يطلب النفوذ من الرأس فلا يجد منفذا فيصدعه كما يتصدع الوعاء إذا حمي ما فيه وطلب النفوذ ، وكل رطب إذا حمي طلب مكانا أوسع من مكانه للذي كان .

وللصداع أسباب أحدها من الطبائع الأربعة ومن قروح في المعدة ومن ريح غليظة فيها وعن ورم في عروقها وعن امتلائها وبعد الجماع وبعد القيء وعن الجر وعن البرد وعن السهر وعن حمل شيء ثقيل عليه وعن كثرة الكلام وعن كثرة الحركة وعن عرض نفساني كالهم والغم وعن شدة الجوع [ ص: 417 ] وعن ورم في صفات الدماغ ( السبب العشرون ) الحمى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم .

وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها أو مرتقية إليها فيقبلها الجانب الأضعف من جانبيه ، وتلك المادة إما بخارية وإما أخلاط حارة أو باردة وعلامتها الخاصة بها ضربان للشرايين وخاصة في الدموي ، وإذا ضبطت بالعصائب ومنعت من الضربان سكن الوجع ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه عصب رأسه بعصابة في مرضه } فعصبه ينفع من أوجاعه .

ومن المعلوم أن علاجه يختلف باختلاف أسبابه فالحناء علاج بعض أسبابه فينفع نفعا ظاهرا من حرارة ملهبة لا من مادة يجب استفراغها وإن ضمدت به الجبهة مع خل سكن الصداع ، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن أوجاعه وهذا يعم الأعضاء ، وفيه قبض تشتد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع الورم الحار الملتهب سكنه ، والحناء بارد في الأولى يابس في الثانية وقيل معتدل الحر والبرد وقوة شجره مركبة من قوة محالة اكتسبتها من جوهر فيها مائي حار باعتدال ، ومن قوة قابضة اكتسبها من جوهر فيها أرضي بارد وهو محلل نافع من حرق النار ، وينفع مضغه من قروح الفم والسلاق العارض فيه ، وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ، ودهن الورد نفع من أوجاع الجنب ويفعل في الجرح فعل دم الأخوين .

ومن خواصه إذا لطخ به أسفل الرجلين أول خروج الجدري أمن على العينين منه صحيح مجرب ، وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ومنع السوس عنها ، ودهنه يحلل الإعياء ويلين العصب ، وإذا نقع ورقه في ماء عذب يغمره ثم عصره وشرب من صفوه أربعين درهما [ ص: 418 ] كل يوم عشرين يوما مع عشرة دراهم سكر وتغدى عليه بلحم الضأن الصغير نفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة وينفع الأظفار معجونا ويحسنها ويعجن بسمن ويضمد به بقايا ورم حار الذي يرشح ماء أصفر وينفع من الجرب المتقرح منفعة بليغة وهو ينبت الشعر ويقويه ويحسنه ويقوي الرأس وينفع من النفاخات والبثور العارضة في البدن ، وشرب نصف مثقال منه ينفع من القولنج ومن خواصه إذا خضب به الرجل أصبح البول أحمر كبول المحموم .

التالي السابق


الخدمات العلمية