الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة الثالثة عشرة : اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد وج ، وقطع شجره ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى : أكره صيد وج ، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 458 ] واختلفوا فيه على القول بحرمته ، هل فيه جزاء كحرم المدينة أو لا شيء فيه ؟ ولكن يؤدب قاتله ، وعليه أكثر الشافعية .

                                                                                                                                                                                                                                      وحجة من قال بحرمة صيد وج ما رواه أبو داود ، وأحمد ، والبخاري في " تاريخه " ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " صيد وج محرم " الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن حجر في " التلخيص " : سكت عليه أبو داود ، وحسنه المنذري ، وسكت عليه عبد الحق ، فتعقبه ابن القطان بما نقل عن البخاري ، أنه لم يصح ، وكذا قال الأزدي .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الذهبي ، أن الشافعي صححه ، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه ، وقال ابن حبان في رواية المنفرد به ، وهو محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي ، كان يخطئ ، ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره ، فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف ، وقال العقيلي : لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف ، وقال النووي في " شرح المهذب " : إسناده ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر البخاري في " تاريخه " في ترجمة عبد الله بن إنسان : أنه لا يصح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن حجر في " التقريب " في محمد بن عبد الله بن إنسان الثقفي الطائفي المذكور : لين الحديث ، وكذلك أبوه عبد الله الذي هو شيخه في هذا الحديث قال فيه أيضا : لين الحديث ، وقال ابن قدامة في " المغني " في هذا الحديث في صيد وج : ضعفه أحمد ، ذكره الخلال في كتاب " العلل " ، فإذا عرفت هذا ظهر لك أن حجة الجمهور في إباحة صيد وج وشجره ، كون الحديث لم يثبت ، والأصل براءة الذمة ، ووج : بفتح الواو وتشديد الجيم ، أرض بالطائف ، وقال بعض العلماء : هو واد بصحراء الطائف ، وليس المراد به نفس بلدة الطائف ، وقيل : هو كل أرض الطائف ، وقيل : هو اسم لحصون الطائف ، وقيل : لواحد منها ، وربما التبس وج المذكور بوح بالحاء المهملة وهي ناحية نعمان .

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا عرفت حكم صيد المحرم ، وحكم صيد مكة والمدينة ووج مما ذكرنا ، فاعلم أن الصيد المحرم ، إذا كان بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم ، أو كان على غصن ممتد في الحل ، وأصل شجرته في الحرم ، فاصطياده حرام على التحقيق تغليبا [ ص: 459 ] لجانب حرمة الحرم فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                      أما إذا كان أصل الشجرة في الحل ، وأغصانها ممتدة في الحرم ، فاصطاد طيرا واقعا على الأغصان الممتدة في الحرم ، فلا إشكال في أنه مصطاد في الحرم ; لكون الطير في هواء الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن ما ادعاه بعض الحنفية ، من أن أحاديث تحديد حرم المدينة مضطربة ; لأنه وقع في بعض الروايات باللابتين ، وفي بعضها بالحرتين ، وفي بعضها بالجبلين ، وفي بعضها بالمأزمين ، وفي بعضها بعير وثور ، غير صحيح لظهور الجمع بكل وضوح ; لأن اللابتين هما الحرتان المعروفتان ، وهما حجارة سود على جوانب المدينة ، والجبلان هما المأزمان ، وهما عير وثور والمدينة بين الحرتين ، كما أنها أيضا بين ثور وعير ، كما يشاهده من نظرها ، وثور جبيل صغير يميل إلى الحمرة بتدوير خلف أحد من جهة الشمال .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن ادعى من العلماء أنه ليس في المدينة جبل يسمى ثورا ، فغلط منه ; لأنه معروف عند الناس إلى اليوم ، مع أنه ثبت في الحديث الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أنه على قراءة الكوفيين : فجزاء مثل الآية ، بتنوين " جزاء " ورفع مثل فالأمر واضح ، وعلى قراءة الجمهور فجزاء مثل بالإضافة ، فأظهر الأقوال أن الإضافة بيانية ، أي جزاء هو مثل ما قتل من النعم ، فيرجع معناه إلى الأول ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية