الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        وأما العصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدني طبخة ، ويسمى الباذق والمنصف وهو ما ذهب نصفه بالطبخ ، فكل ذلك حرام عندنا إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو إذا اشتد على الاختلاف . وقال الأوزاعي : إنه مباح وهو قول بعض المعتزلة ; لأنه مشروب طيب وليس بخمر .

                                                                                                        ولنا أنه رقيق ملذ مطرب ، ولهذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا للفساد المتعلق به . وأما نقيع التمر وهو المسكر وهو النيء من ماء التمر أي الرطب فهو حرام مكروه . وقال شريك بن عبد الله : إنه مباح لقوله تعالى: { تتخذون منه [ ص: 227 ] سكرا ورزقا حسنا }امتن علينا به وهو بالمحرم لا يتحقق . ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ويدل عليه ما رويناه من قبل ، والآية محمولة على الابتداء إذا كانت الأشربة مباحة كلها ، وقيل : أراد به التوبيخ معناه والله أعلم : تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا . وأما نقيع الزبيب : وهو النيء من ماء الزبيب فهو حرام إذا اشتد وغلى ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي ; وقد بينا المعنى من قبل إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر التي لا يكفر مستحلها ويكفر مستحل الخمر ; لأن حرمتها اجتهادية ، وحرمة الخمر قطعية ، ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر ، ويجب بشرب قطرة من الخمر ونجاستها خفيفة في رواية وغليظة في أخرى ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة ، ويجوز بيعها ويضمن متلفها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما فيهما ; لأنه مال متقوم وما شهدت دلالة قطعية بسقوط تقومها ; بخلاف الخمر غير أن عنده يجب قيمتها لا مثلها على ما عرف ، ولا ينتفع بها بوجه من الوجوه ; لأنها محرمة وعن أبي يوسف رحمه الله [ ص: 228 ] أنه يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من النصف دون الثلثين .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ولنا إجماع الصحابة يعني على تحريم السكر وهو النيء من ماء التمر ; قلت : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن منصور عن أبي وائل ، قال : اشتكى رجل منا بطنه ، فنعت له السكر ، فقال عبد الله بن مسعود : إن الله لم يكن ليجعل شفاءكم فيما حرم عليكم انتهى . أخبرنا معمر عن منصور ، وزاد : قال معمر : [ ص: 227 ] والسكر يكون من التمر انتهى

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " بالسند الأول .

                                                                                                        ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور به حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : السكر خمر حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سئل عن السكر ، فقال : الخمر انتهى .

                                                                                                        وفي " سنن الدارقطني " عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كان عبد الله يحلف بالله أن التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسر دنانه ، حين حرمت الخمر ، لمن التمر والزبيب ، انتهى .

                                                                                                        قوله : وعن ابن عباس : ما كان من الأشربة ينقى بعد عشرة أيام ولا يفسد ، فهو حرام ; قلت : غريب ; وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن علي بن مالك عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : النبيذ الذي بلغ فسد ، وأما ما ازداد على طول الترك جودة ، فلا خير فيه انتهى

                                                                                                        وأخرج نحوه عن عمر بن عبد العزيز . قوله روي عن ابن زياد ، قال : سقاني ابن عمر شربة ما كدت أهتدي إلى أهلي ، فغدوت إليه من الغد ، فأخبرته بذلك ، فقال : ما زدناك على عجوة وزبيب ; قلت : رواه [ ص: 228 ] محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن سليمان الشيباني عن ابن زياد أنه أفطر عند عبد الله بن عمر ، فسقاه شرابا ، فكأنه أخذ منه ، فلما أصبح غدا إليه ، فقال له : ما هذا الشراب ؟ ما كدت أهتدي إلى منزلي ، فقال ابن عمر : ما زدناك على عجوة وزبيب انتهى

                                                                                                        قوله : وروي عن ابن عمر حرمة نقيع الزبيب ، وهو النيء منه ; قلت : غريب .




                                                                                                        الخدمات العلمية