الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما طهارتها من حدثها فتحتاج إلى شرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عقيب طهارة الفرج وشده من غير تراخ ، ولا بعد ، فإن توضأت بعد تطاول الزمان من غسل الفرج وشداده صارت متطهرة طهارة ضرورة مع كونها حاملة للنجاسة ، فتكون كالعادم للماء إذا تيمم ، وعلى بدنه نجاسة يقدر على غسلها فتكون على ما مضى من الوجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن وضوءها باطل بكل حال ، وتستأنف غسل الفرج .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه جائز ، ويعتبر حال النجاسة ، فإن ظهرت إلى مكان يلزم تطهيره ، وأمكن ذلك من غير حدث فوضوؤها على صحته .

                                                                                                                                            فصل : والشرط الثاني : أن يكون وضوؤها بعد دخول وقت الصلاة التي تريد أن تتوضأ لها فإن توضأت قبل دخول الوقت كان وضوؤها باطلا كالمتيمم قبل الوقت وأجاز أبو حنيفة [ ص: 444 ] وضوءها قبل الوقت ، وقد تقدم الكلام معه فإذا توضأت بعد دخول الوقت فهل يلزمها فعل الصلاة على الفور في الحال أم يجوز التراخي فيها على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس أنه يجوز فعلها على التراخي ما لم يخرج الوقت : لأن أداء الصلاة في آخر الوقت كأدائها في أوله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجوز تأخيرها وعليها المبادرة بها على الفور بحسب الإمكان ، وهو الصحيح عندي : لأن وضوء المستحاضة إنما يرفع الحدث المتقدم عليه ، ولا يرفع ما قارنه أو تأخر عنه ، فلم يجز أن تؤخر الصلاة مع حدثها إلا بحسب ضرورتها التي لا يمكن الاحتراز منها ، وفيه وجه ثالث أنه يجوز تأخير الصلاة انتظارا لأسباب كمالها كالجماعة ، وقصد البقاع الشريفة ، وارتياد سرة تستقبلها وما جرى هذا المجرى : لأن تأخير الصلاة لهذه الأسباب مندوب إليه ، ولا يجوز تأخيرها لغير هذه الأسباب : لأنه ليس بمندوب إليه .

                                                                                                                                            فصل : فإذا فعلت ما وصفنا من الطهارتين فجرى دمها من الشداد وظهر فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يجري لضعف الشداد وتقصيرها فيه فقد بطلت طهارتها وصلاتها إن كانت في الصلاة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يجري دمها لغلبته وكثرته مع كون الشداد محكما ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون جريان الدم وسيلانه في الصلاة فصلاتها صحيحة وتيممها لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش حيث وصف لها حال الاستحاضة " صلي ولو قطر الدم على الحصير " .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون جريان دمها في غير الصلاة ففي بطلان طهارتها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تبطل وهي على حال الصحة وهذا ظاهر قول أبي العباس إذ لم يجعل صلاة الاستحاضة على الفور من طهارتها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن طهارتها قد بطلت كما يبطل التيمم ، برؤية الماء قبل الصلاة ، ولا يبطل برؤيته في الصلاة ، وهذا قول من جعل صلاة المستحاضة على الفور من طهارتها ، وعلى هذين الوجهين يتفرع حكم من جرى دمها في الصلاة فأرادت أن تتنفل بتلك الطهارة بعد فراغها من الصلاة ، فإن قيل : ببطلان طهارتها قبل الصلاة لم يجز أن تتنفل بتلك الطهارة إلا بطهارة مستأنفة ، وإن قيل بصحة طهارتها قبل الصلاة جاز أن تتنفل بعد تلك الصلاة فيما شاءت من صلاة وطواف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية