الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2366 ص: فإن قال قائل: فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - خلاف ذلك فذكر ما حدثنا بكر بن إدريس، قال: ثنا آدم بن أبي إياس ، قال: ثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم، أن عمر - رضي الله عنه - قال له رجل: "إني صليت صلاة لم أقرأ فيها شيئا؟ فقال له عمر - رضي الله عنه -: أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قال: بلى. قال: تمت صلاتك" قال شعبة : فحدثني عبد الله بن عمر العمري [ ص: 290 ] قال: قلت لمحمد بن إبراهيم: ممن سمعت هذا الحديث؟ فقال: من أبي سلمة عن عمر .

                                                قيل لهم: فقد روي هذا عن عمر - رضي الله عنه - من حيث ذكرتم ولكن الذي رويناه عنه فيما بدأنا بذكره متصل الإسناد عن عمر وهمام حاضر ذلك منه، فما اتصل إسناده عنه فهو أولى أن يقبل عنه مما خالفه.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: قد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما يخالف ما رويتم من أنه أعاد الصلاة لتركه القراءة فيها، وهو ما رواه بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي ، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني روى له الجماعة: "أن عمر - رضي الله عنه - قال له رجل. . . " إلى آخره.

                                                فإنه حكم بتمام صلاة من ترك القراءة فيها.

                                                وجوابه ظاهر وهو: أن ما روينا إسناده متصل ; لأن همام بن الحارث كان حاضرا عند عمر - رضي الله عنه - وقت سؤال الرجل، وما رويتم غير متصل الإسناد ; لأن محمد بن إبراهيم المذكور لم يسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولم يكن حاضرا عنده حين قال له رجل: إني صليت صلاة لم أقرأ فيها شيئا.

                                                فما كان متصل الإسناد هو أولى بالعمل وأحق بالقبول.

                                                فإن قلت: أليس قال شعبة : قلت لمحمد بن إبراهيم: ممن سمعت هذا الحديث؟ فقال: من أبي سلمة عن عمر - رضي الله عنه -؟

                                                فهذا أيضا متصل ورجاله ثقات فما الترجيح بين الحديثين؟

                                                قلت: رواية همام أرجح من وجه آخر وهو أنه يحكي ما شاهده من فعل عمر - رضي الله عنه -، وأما أبو سلمة فإنه يحكي عن إفتاء عمر - رضي الله عنه - لذلك الرجل، وفعله أقوى من إفتائه، فافهم.

                                                [ ص: 291 ] فإن قلت: قد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" ما فيه حكايته عن فعل عمر - رضي الله عنه - فقال: ثنا عبد الله بن نمير ، عن عبد الله بن عمر ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة قال: "صلى عمر - رضي الله عنه - المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قال له الناس: إنك لم تقرأ. قال: فكيف كان الركوع والسجود؟ تام هو؟ قالوا: نعم. فقال: لا بأس، إني حدثت نفسي بعير جهزتها بأقتابها وحقائبها".

                                                قلت: هذه الرواية تدل على أنه لم يعد صلاته لتركه القراءة، وتلك الرواية تدل على أنه قد أعادها لأجل ترك القراءة، فالإثبات أولى من النفي ها هنا ; لموافقته النص الدال على فرضية القراءة في الصلاة، وقد علم أن بترك فرض من فروض الصلاة تفسد الصلاة.




                                                الخدمات العلمية