الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم

الفاء لتفريع التحميد والثناء على الله تفريعا على ما احتوت عليه السورة من ألطاف الله فيما خلق وأرشد وسخر وأقام من نظم العدالة ، والإنعام على المسلمين في الدنيا والآخرة ، ومن وعيد للمعرضين واحتجاج عليهم ، فلما كان ذلك كله من الله كان دالا على اتصافه بصفات العظمة والجلال وعلى إفضاله على الناس بدين الإسلام كان حقيقا بإنشاء قصر الحمد عليه فيجوز أن يكون هذا الكلام مرادا منه ظاهر الإخبار ، ويجوز أن يكون مع ذلك مستعملا في معناه الكنائي وهو أمر الناس بأن يقصروا الحمد عليه . ويجوز أن يكون إنشاء حمد لله تعالى وثناء عليه . وكل ما سبقه من آيات هذه السورة مقتض للوجوه الثلاثة ، ونظيره قوله تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين في سورة الأنعام .

وتقديم " لله " لإفادة الاختصاص ، أي الحمد مختص به الله تعالى يعني : الحمد الحق الكامل مختص به تعالى كما تقدم في سورة الفاتحة .

وإجراء وصف " رب السماوات " على اسمه تعالى إيماء إلى علة قصر الحمد على الله إخبارا وإنشاء تأكيدا لما اقتضته الفاء في قوله فلله الحمد . وعطف " ورب الأرض " بتكرير لفظ " رب " للتنويه بشأن الربوبية لأن رب السماوات والأرض يحق حمده على أهل السماء والأرض ، فأما أهل السماء فقد حمدوه كما أخبر الله عنهم بقوله والملائكة يسبحون بحمد ربهم . وأما أهل الأرض فمن حمده منهم فقد أدى حق الربوبية ومن حمد غيره وأعرض عنه فقد سجل على نفسه سمة الإباق ، وكان بمأوى النار محل استحقاق .

[ ص: 378 ] ثم أتبع بوصف " رب العالمين " وهم سكان السماوات والأرض تأكيدا لكونهم محقوقين بأن يحمدوه لأنه خالق العوالم التي هم منتفعون بها وخالق ذواتهم فيها كذلك .

وعقب ذلك بجملة وله الكبرياء في السماوات والأرض للإشارة إلى أن استدعاءه خلقه لحمده إنما هو لنفعهم وتزكية نفوسهم فإنه غني عنهم كما قال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون .

وتقديم المجرور في " وله الكبرياء " مثله في " فلله الحمد " . والكبرياء : الكبر الحق الذي هو كمال الصفات وكمال الوجود .

ثم أتبع ذلك بصفتي العزيز الحكيم لأن العزة تشمل معاني القدرة والاختيار ، والحكمة تجمع معاني تمام العلم وعمومه .

وبهذه الخاتمة آذن الكلام بانتهاء السورة فهو من براعة خواتم السور .

التالي السابق


الخدمات العلمية