الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الخامس والأربعون

معرفة رواية الأبناء عن الآباء

ولأبي نصر الوايلي الحافظ في ذلك كتاب.

وأهمه ما لم يسم فيه الأب أو الجد، وهو نوعان :

أحدهما : رواية الابن عن الأب عن الجد نحو عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ، وله بهذا الإسناد نسخة كبيرة، أكثرها فقهيات جياد ، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه، حملا لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك .

ونحو: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده ، روى بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده هو معاوية بن حيدة القشيري.

وطلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده ، وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال : كعب بن عمرو .

ومن أطرف ذلك رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي الفقيه الحنبلي ، وكانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى، عن أبيه، في تسعة من آبائه نسقا، أخبرني بذلك الشيخ أبو الحسن مؤيد بن محمد بن علي النيسابوري بقراءتي عليه بها، قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني في كتابه إلينا، قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب وقد سئل عن الحنان المنان، فقال : الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال . آخرهم أكينة - بالنون - وهو السامع عليا رضي الله عنه.

حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني بمرو الشاهجان، عن أبي النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي قال: سمعت السيد أبا القاسم منصور بن محمد العلوي يقول: "الإسناد بعضه عوال وبعضه معال. وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي ".

الثاني : رواية الابن عن أبيه دون الجد وذلك باب واسع ، وهو نحو رواية أبي العشراء الدارمي، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديثه معروف . وقد اختلفوا فيه ، فالأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قهطم، وهو فيما نقلته من خط البيهقي وغيره بكسر القاف، وقيل : قحطم بالحاء، وقيل : هو عطارد بن برز بتسكين الراء، وقيل : بتحريكها أيضا، وقيل : ابن بلز باللام ، وفي اسمه واسم أبيه من الخلاف غير ذلك، والله أعلم .

[ ص: 1073 ] [ ص: 1074 ]

التالي السابق


[ ص: 1073 ] [ ص: 1074 ] النوع الخامس والأربعون

معرفة رواية الأبناء عن الآباء.

174 - قوله: (ومن أطرف ذلك رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي [ ص: 1075 ] الفقيه الحنبلي ، عن أبيه، في تسعة من آبائه نسقا).

فرواها من (تاريخ بغداد) لأثر موقوف على علي بن أبي طالب في تفسير الحنان المنان.

قلت: وقد وقع لنا حديث مرفوع من هذا الوجه، ووقع فيه التسلسل باثني عشر أبا، وهو أعجب مما ذكره المصنف.

أخبرنا به جماعة من شيوخنا، منهم شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي، قال: أنا أحمد بن محمد بن إسحاق الهمداني، قال: أنا عبد الله بن أحمد بن محمد القلانسي - قراءة عليه وأنا حاضر بشيراز - أنا عبد العزيز بن منصور الآدمي، ثنا رزق الله بن [ ص: 1076 ] عبد الوهاب التميمي، سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب يقول: سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول: سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول: سمعت أبي أسدا يقول: سمعت أبي الليث يقول: سمعت أبي سليمان يقول: سمعت أبي الأسود يقول: سمعت أبي سفيان يقول: سمعت أبي يزيد يقول: سمعت أبي أكينة يقول: سمعت أبي الهيثم يقول: سمعت أبي عبد الله [ ص: 1077 ] يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة".

أخبرنا الحافظ أبو سعيد بن العلائي في كتاب (الوشي المعلم) قال: "هذا إسناد غريب جدا، ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه، من الكبار المشهورين، متقدما في عدة علوم، مات سنة ثماني وثمانين وأربع مائة، وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا، ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا على إمامته، واشتهر بوضع الحديث، وبقية آبائه مجهولون، لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا، وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتعبير" انتهى.

وأكثر ما وقع لنا بتسلسل رواية الأبناء عن الآباء أربعة عشر رجلا من رواية أبي محمد الحسن بن علي قال: حدثني والدي علي بن أبي طالب قال: [ ص: 1078 ] حدثني والدي أبو طالب الحسن بن عبيد الله قال: حدثني والدي عبيد الله بن محمد قال: حدثني والدي محمد بن عبيد الله قال: حدثني والدي عبيد الله بن علي قال: حدثني والدي علي بن الحسن قال: حدثني والدي الحسن بن الحسين قال: حدثني والدي الحسين بن جعفر أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال: حدثني والدي جعفر بن عبيد الله قال: حدثني والدي عبيد الله قال: حدثني والدي الحسين الأصغر قال: حدثني والدي علي زين العابدين قال: حدثني والدي الحسين، حدثني والدي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المجالس بالأمانة" رواه الحافظ [ ص: 1079 ] أبو سعيد بن السمعاني في الذيل، قال: أنبأنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني من لفظه قالا: ثنا السيد أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب، فذكره.

أورده في ترجمة الحسن بن علي هذا، وقال: "كان أحد الكبار المشهورين [ ص: 1080 ] بالجود والسخاء وفعل الخيرات ومحبة أهل العلم والصلاح، وداره كانت مجمع الفقهاء والفضلاء" إلى أن قال: "توفي في رجب سنة اثنتين وخمسمائة".

قلت: وفي آبائه من لا يعرف حاله، وهذا الحديث من جملة أربعين حديثا فيها مناكير. والله أعلم.




الخدمات العلمية