الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                129 ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي وحفص بن غياث ، عن ليث ، عن طلحة بن مصرف ، عن أبيه ، عن جده قال: " رأيت النبي - عليه السلام - يمسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه". .

                                                التالي السابق


                                                ش: عبد الصمد روى له الجماعة.

                                                وأبوه عبد الوارث بن سعيد البصري روى له الجماعة.

                                                وحفص بن غياث قاضي الكوفة من أصحاب أبي حنيفة ، روى له الجماعة.

                                                وليث هو ابن أبي سليم القرشي الكوفي ، روى له مسلم مقرونا بغيره، وروى عنه أبو حنيفة ، وعن يحيى لا بأس به.

                                                وطلحة بن مصرف بن عمرو الكوفي ، روي له الجماعة.

                                                وأبوه مصرف بن عمرو بن كعب يقال: له صحبة.

                                                وجده عمرو بن كعب رضي الله عنه.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا محمد بن عيسى ، ومسدد قالا: ثنا عبد الوارث ، عن ليث ، عن طلحة بن مصرف ، عن أبيه، عن جده قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال ، وهو أول القفا -وقال مسدد : مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه-" قال أبو داود : فحدثت به يحيى فأنكره. قال أبو داود : وسمعت أحمد بن حنبل يقول: ابن عيينة زعموا أنه كان [ ص: 268 ] ينكره، ويقول أيش طلحة بن مصرف ، عن أبيه، عن جده؟ قلت: قال ابن أبي حاتم : مصرف بن كعب بن عمرو اليامي روى عن أبيه، قال بعضهم: له صحبة، روى عنه ابنه طلحة ، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هذا خطأ، طلحة رجل من الأنصار وليس هو ابن مصرف ، ولو كان ابن مصرف لم نختلف فيه.

                                                قوله: "مقدم رأسه" ذكر ابن جني : أن الجمع أرؤس و[آراس] -على القلب و(رؤس). قال ابن السكيت : ورءس على الحذف، وأنشد :


                                                فيوما إلى أهلي ويوما إليكم ويوما أحط الخيل من رؤس أجبال



                                                قوله: "حتى بلغ القذال" بفتح القاف والذال المعجمة، جماع مؤخر الرأس، وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان: ما اكتنف فأس القفا عن يمين وشمال، ويجمع على أقذلة وقذل، وقذلته: ضربت قذاله.

                                                ويستفاد منه: أن كيفية المسح أن يكون من مقدم الرأس إلى أن يبلغ القذال من مقدم عنقه، وروي في كيفية المسح أحاديث كثيرة. فعند النسائي : من حديث عبد الله بن زيد "ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" .

                                                وعند ابن أبي شيبة : من حديث الربيع "بدأ بمؤخره، ثم رد على ناصيته" .

                                                وعند الطبراني : "بدأ بمؤخر رأسه ثم جره إلى قفاه، ثم جره إلى مؤخره" .

                                                [ ص: 269 ] وعند أبي داود "يبدأ بمؤخره ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما".

                                                وفي لفظ: "مسح الرأس كله، من قرن الشعر كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته" .

                                                وفي لفظ: [مسح رأسه وما أقبل] وما أدبر، وصدغيه" .

                                                وعند البزار : من حديث بكار بن عبد العزيز ، عن أبيه، عن أبي بكرة يرفعه-: "توضأ ثلاثا ثلاثا"، وفيه: "مسح برأسه، يقبل (بيده) من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه" وبكار ليس به بأس.

                                                وعند ابن قانع من حديث أبي هريرة : "وضع يديه على النصف من رأسه، ثم جرهما إلى مقدم رأسه، ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، وجرهما إلى صدغيه" .

                                                وعند أبي داود من حديث أنس : "أدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه" .

                                                وفي كتاب ابن السكن : "فمسح باطن لحيته وقفاه" .

                                                وفي "معجم البغوي " وكتاب ابن أبي خيثمة : "مسح رأسه إلى سالفته" .

                                                وفي كتاب النسائي : عن عائشة ، ووصفت وضوءه - عليه السلام -: "ووضعت يدها في مقدم رأسها، ثم [مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أمرت يديها بأذنيها، ثم مرت] على الخدين" .

                                                [ ص: 270 ] فهذه أوجه كثيرة يختار المتوضئ أيها شاء، واختار بعض أصحابنا رواية عبد الله بن زيد ، وقال السغناقي في شرح الهداية: وكيفيته : أن يبل كفيه وأصابع يديه، ويضع بطون ثلاث أصابع من كل كف على مقدم الرأس، ويعزل السبابتين والإبهامين، ويجافي الكفين، ويجرهما إلى مؤخر الرأس، ثم يمسح الفودين بالكفين، ويجرهما إلى مقدم الرأس، ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين، وباطن الأذنين بباطن السبابتين، ويمسح رقبته بظاهر اليدين حتى يصير ماسحا ببل لم يصر مستعملا، كذا علمنا الأستاذ الشفيق فخر الدين المايمرغي ، إلا أن الرواية في "المبسوط" على أن الماء لا يعطى له حكم الماء المستعمل حال الاستعمال فقال: ألا ترى أن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات، فكما في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا، فكذلك في حكم إقامة السنة في الممسوح، ولكن يجب أن تستعمل فيه ثلاث أصابع اليد في الاستيعاب; ليقوم الأكثر مقام الكل حتى أنه لو مسح ناصيته بجوانبها الأربع لا يجوز -في الأصح- لعدم استعمال أكثر الأصابع.




                                                الخدمات العلمية