الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [30] يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد

                                                                                                                                                                                                                                      يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد قال ابن جرير : فيه لأهل التأويل قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: أن معناه: ما من مزيد. فعن مجاهد قال: وعدها الله ليملأنها فقال: هلا وفيتك؟ قالت: وهل من مسلك؟!.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: معناه: زدني.

                                                                                                                                                                                                                                      أي: فالاستفهام على الأول إنكاري، معناه النفي، وأيد بآية لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين والقرآن يفسر بعضه بعضا وعلى الثاني تقريري، دلالة على سعتها. بحيث يدخلها من يدخلها، وفيها فراغ وخلو، كأنه يطلب الزيادة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: الوجه الثاني -وهو كونها فيها فراغ- مناف لصريح النظم من قوله لأملأن جهنم الآية، قلت: لا منافاة بينهما كما توهم؛ لأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن سكنها، وإن كان فيها فراغ كبير، كما يقال: إن البلدة ممتلئة بأهلها، ليس فيها دار خالية، مع ما بينها من الأبنية والأفضية. أو هذا باعتبار حالين، فالفراغ في أول دخول أهلها فيها، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      ذهب جماعة إلى أن المقاولة في الآية مجاز على طريق الاستعارة التمثيلية، وأن جهنم لشدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعصاة وقذفهم فيها، كأنها طالبة للزيادة. وآخرون إلى أن ذلك حقيقة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5512 ] قال الناصر في (الانتصاف): إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. وكيف نفرض، وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك؟ منها هذا، ومنها « لجاج الجنة والنار » ، ومنها « اشتكاؤها إلى ربها، فأذن لها في نفسين » . وهذه وإن لم تكن نصوصا، فظواهر يجب حملها على حقائقها، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر، ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإن القدرة صالحة والعقل يجوز، والظواهر قاضية بوقوع ما جوزه العقل. وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا، « كتسليم الشجر، وتسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه » ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة، لاتسع الخرق وضل كثير من الخلق عن الحق. وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : وهو كلام حسن، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنس ما قلناه مرارا من أن اللغة لا تنحصر في الحقيقة، وأن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، كما أوضحه السيوطي في (المزهر) والجرجاني في (أسرار البلاغة). وفي شواهد العرب الكثيرة ما يؤيد المجاز، ولا محذور فيه، عدا عن كونه أبلغ، كما قرروه. وبالجملة فالنظم الكريم يحتملها -والله أعلم-.

                                                                                                                                                                                                                                      و " يوم " منصوب بـ: ظلام أو بمضمر، نحو: اذكر وأنذر. و (المزيد) إما مصدر كالمجيد، أو اسم مفعول كالمبيع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية