الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3993 [ 2042 ] وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخنع اسم عند الله، رجل يسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله. قال سفيان: مثل: شاهان شاه.

                                                                                              وفي رواية: أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه وأغيظه عليه، رجل كان يسمى مالك الأملاك، لا مالك إلا الله.

                                                                                              رواه البخاري (6206) ومسلم (2143) (20 و 21) وأبو داود (4961) والترمذي (2839). [ ص: 454 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 454 ] و(قوله: إن أخنع اسم عند الله ) أي: أذل. والخنوع: الخضوع والذل. يقال: أخنعتني إليك الحاجة. ومنه في دعاء القنوت: (ونخنع لك) أي: نذل لك ونخضع. وقد يقال على الفجور والريبة. يقال: رجل خانع; أي: مريب فاجر. ومنه قول الأعشى:


                                                                                              ............ ولا يرون إلى جاراتهم خنعا



                                                                                              قلت: وهذا راجع للمعنى الأول; لأن الفاجر المريب خانع ذليل؛ ولذلك فسر أبو عمرو : أخنع بأوضع; أي: أذل وأخس. وأراد بالاسم هنا: المسمى، بدليل ما قال في الرواية الأخرى: أغيظ رجل وأخبثه .

                                                                                              والغيظ المضاف إلى الله تعالى هو: عبارة عن غضبه، وقد تقدم أن غضب الله تعالى عبارة عن عقوبته المنزلة بمن يستحقها. والأخبث من الخبث، وهو: الاسترذال، والخسة، والرداءة. وقد وقع في هذه الرواية: "وأغيظه" معطوفا على "أخبثه" من الغيظ، فجاء مكررا. فذهب بعض العلماء إلى أن ذلك وهم، والصواب: وأغنط - بالنون والطاء المهملة - أي: أشد. والغنط: شدة الكرب.

                                                                                              قلت: والصواب التمسك بالرواية. وتطريق الوهم إلى الأئمة الحفاظ وهم لا تنبغي المبادرة إليه ما وجد للكلام وجه، ويمكن أن يحمل على إفادة تكرار [ ص: 455 ] العقوبة على المسمى بذلك الاسم وتعظيمها، كما قال تعالى في حق اليهود : فباءوا بغضب على غضب أي: بما يوجب العقوبة بعد العقوبة. وكذلك فعل الله تعالى بهم; عاقبهم في الدنيا بأنواع من العقوبات، ولعذاب الآخرة أشق.

                                                                                              وحاصل هذا الحديث: أن المسمى بهذا الاسم قد انتهى من الكبر إلى الغاية التي لا تنبغي لمخلوق، وأنه قد تعاطى ما هو خاص بالإله الحق; إذ لا يصدق هذا الاسم بالحقيقة إلا على الله تعالى، فعوقب على ذلك من الإذلال، والإخساس، والاسترذال بما لم يعاقب به أحد من المخلوقين.

                                                                                              و( الملك ): من له الملك.

                                                                                              و( المالك ): من له الملك. والملك أمدح، والمالك أخص. وكلاهما واجب لله تعالى.

                                                                                              و( الأملاك ): جمع ملك. قال في "الصحاح": الملك - مقصور - من: مالك أو مليك. والجمع: الملوك والأملاك، والاسم: الملك.

                                                                                              وقول سفيان : مثل: شاها شاه هي بالفارسية: ملك الأملاك.




                                                                                              الخدمات العلمية