الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1800 - وعن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ، ومن أربعين مسنة . رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي .

التالي السابق


1800 - ( وعن معاذ ) بالضم ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه ) أي جعله متوجها ( إلى اليمن ) عاملا على الزكاة وغيرها ( أمره أن يأخذ من البقر ) وفي نسخة من البقرة والمراد الجنس ، قال ابن الهمام : البقر من بقر إذا شق ; سمي به لأنه يشق الأرض ، وهو اسم جنس ، والتاء في بقرة للوحدة ، فيقع على الذكر والأنثى ، لا للتأنيث ( من كل ثلاثين ) أي بقرة ( تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ) يعني أو مسنا ( رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي ) قال ميرك : وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي : حسن ، وذكر أن بعضهم رواه مرسلا ، وقال : هذا أصح ، قاله الشيخ الجزري ، وقال الشيخ ابن حجر : زعم ابن بطال أن حديث معاذ هذا متصل صحيح ، وفيه نظر ; لأن مسروقا راويه عن معاذ لم يلق معاذا ، وإنما حسنه الترمذي بشواهده ، ففي الموطأ من طريق طاوس عن معاذ نحوه ، وطاوس عن معاذ منقطع أيضا ، وفي الباب عن علي عند أبي داود أيضا كأنه يشير إلى الحديث قبله ، وقال ابن الهمام : أخرج أصحاب السنن الأربعة عن مسروق عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمين أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم يعني محتلما دينارا ، أو عدله من المغافر ثياب تكون باليمين ، حسنه الترمذي ، ورواه بعضهم مرسلا ، وهذا أصح ، ويعني بالدينار من الحالم الجزية ، ورواه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وأعله [ ص: 1290 ] عبد الحق بأن مسروقا لم يلق معاذا ، وصرح ابن عبد البر بأنه متصل ، وأما ابن حزم فقال في أول كلامه : إنه منقطع ، وإن مسروقا لم يلق معاذا ، وقال في آخره : وجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر ، ومسروق عندنا بلا شك أدرك معاذا بسنه وعقله ، وشاهد أحكامه يقينا ، وأفتى في زمن عمر - رضي الله عنه - وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم ، وهو رجل كان باليمن أيام معاذ ، بنقل الكافة من أهل بلده عن معاذ ، في أخذه لذلك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . اهـ وحاصله أنه يجعل بواسطة بينه وبين معاذ ، وهو ما فشا من أهل بلده أن معاذا أخذ كذا وكذا ، والحق قول ابن القطان إنه يجب أن يحكم بحديثه عن معاذ على قول الجمهور ، في الاكتفاء بالمعاصرة ، ما لم يعلم عدم اللقاء ، وأما على ما شرطه البخاري وابن المديني من العلم باجتماعهما ولو مرة ، فكما قال ابن حزم والحق خلافه ، وعلى كلا التقديرين يتم الاحتجاج به على ما وجهه ابن حزم . اهـ ، كلام المحقق ، والله الموفق ، وهذا يتحقق أن ما جزم به ابن حجر بقوله : وهو صحيح غير صحيح على إطلاقه ، ثم قال : ورواه الدارقطني والبزار من حديث بقية عن المسعودي عن الحاكم عن طاوس عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن ، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بشيء وسأسأله إذا قدمت عليه ، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله ، فقال : " ليس فيها شيء " قال المسعودي : والأوقاص ما بين الثلاثين إلى أربعين والأربعين إلى ستين ، وفي السند ضعف وفي المتن أنه رجع فوجده حيا ، وهو موافق لما في معجم الطبراني ، وفي سنده مجهول ، وفيه أي في معجم الطبراني حديث آخر أن معاذا قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدق أهل اليمن ، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ، وفي الستين مسنة وتبيعا ، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا ، وهو مرسل ، واعتراض أيضا بأن معاذا لم يدركه - صلى الله عليه وسلم - حيا ، وفي الموطأ عن طاوس أن معاذا . . . الحديث ، وفيه : فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ ، وطاوس لم يدرك معاذا ، وأخرج في المستدرك عن ابن مسعود قال : كان معاذ بن جبل شابا جميلا حليما سمحا من أفضل شباب قومه ، ولم يكن يمسك شيئا ، ولم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين ، فلزمه غرماؤه حتى تغيب عنهم أياما في بيته ، فاستأذنوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل في طلبه ، فجاء ومعه غرماؤه . . . فساق الحديث إلى أن قال : فبعثه إلى اليمن ، قال له : لعل الله أن يجبرك ويؤدي عنك دينك ، فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل به حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع معاذ . . الحديث بطوله ، قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وفي مسند أبي يعلى أنه قدم فسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا معاذ ما هذا ؟ " قال : وجدت اليهود والنصارى باليمن يسجدون لعظمائهم ، وقالوا هذه تحية الأنبياء ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " كذبوا على أنبيائهم ، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ، وفي هذا أن معاذا أدركه - صلى الله عليه وسلم - حيا . اهـ ولعل الجمع بتعدد الواقعة ، والله أعلم .




الخدمات العلمية