الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ويكره لبسة الصماء واختلف في تفسيرها ذكر الكرخي هو أن يجمع طرفي ثوبه ويخرجهما تحت إحدى يديه على إحدى كتفيه إذا لم يكن عليه سراويل وإنما كره ; لأنه لا يؤمن انكشاف العورة ، ومحمد رحمه الله فصل بين الاضطباع ولبسة الصماء فقال : إنما تكون لبسة الصماء إذا لم يكن عليه إزار فإن كان عليه إزار فهو اضطباع ; لأنه يدخل طرفي ثوبه تحت إحدى ضبعيه وهو مكروه ; لأنه لبس أهل الكبر ، وذكر بعض أهل اللغة أن لبسة الصماء أن يلف الثوب على جميع بدنه من العنق إلى الركبتين وأنه مكروه ; لأن فيه ترك سنة اليد ، ولا بأس أن يصلي في ثوب واحد متوشحا به أو في قميص واحد ، والجملة فيه أن اللبس في الصلاة ثلاثة أنواع : لبس مستحب ، ولبس جائز من غير كراهة ، ولبس مكروه .

                                                                                                                                أما المستحب فهو أن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار ورداء وعمامة كذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني في غريب الرواية عن أصحابنا ، وقال محمد : إن المستحب للرجل أن يصلي في ثوبين إزار ورداء ; لأن به يحصل ستر العورة والزينة جميعا .

                                                                                                                                وأما اللبس الجائز بلا كراهة فهو أن يصلي في ثوب واحد متوشحا به أو قميص واحد ; لأنه حصل به ستر العورة وأصل الزينة إلا أنه لم تتم الزينة ، وأصله ما روي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال : أو كلكم يجد ثوبين ؟ } أشار إلى الجواز ونبه على الحكمة وهي أن كل واحد لا يجد ثوبين ، وهذا كله إذا كان الثوب صفيقا لا يصف ما تحته فإن كان رقيقا يصف ما تحته لا يجوز ; لأن عورته مكشوفة من حيث المعنى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { لعن الله الكاسيات العاريات } ثم لم يذكر في ظاهر الرواية أن القميص الواحد إذا كان محلول الجيب والزر هل تجوز الصلاة فيه ذكر ابن شجاع فيمن صلى محلول الإزار وليس عليه إزار أنه إن كان بحيث لو نظر رأى عورة نفسه من زيقه لم تجز صلاته وإن كان بحيث لو نظر لم ير عورته جازت .

                                                                                                                                وروي عن محمد رحمه الله في غير رواية الأصول إن كان بحال لو نظر إليه غيره يقع بصره على عورته من غير تكلف فسدت صلاته وإن كان بحال لو نظر إليه غيره لا يقع بصره على عورته إلا بتكلف فصلاته تامة فكأنه شرط ستر العورة في حق غيره لا في حق نفسه ، وعن داود الطائي أنه قال : إن كان الرجل خفيف اللحية لم يجز ; لأنه يقع بصره على عورته إذا نظر من غير تكلف فيكون مكشوف العورة في حق نفسه وستر العورة عن نفسه وعن غيره شرط الجواز ، وإن كان كث اللحية جاز ; لأنه لا يقع بصره على عورته إلا بتكلف فلا يكون مكشوف العورة .

                                                                                                                                وأما اللبس المكروه فهو أن يصلي في إزار واحد وسراويل واحد ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء } ولأن ستر العورة إن حصل فلم تحصل الزينة ، وقد قال الله تعالى { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .

                                                                                                                                وروي أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في ثوب واحد فقال : أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت منطلقا في ثوب واحد ؟ فقال : لا ، فقال : الله أحق أن تتزين له ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الصلاة في إزار واحد فعل أهل الجفاء وفي ثوب متوشحا به أبعد من الجفاء وفي إزار ورداء من أخلاق الكرام .

                                                                                                                                هذا الذي ذكرنا في حق الرجل فأما المرأة فالمستحب لها ثلاثة أثواب في الروايات كلها درع وإزار وخمار فإن صلت في ثوب واحد متوشحة به يجزئها إذا سترت به رأسها وسائر جسدها سوى الوجه والكفين وإن كان شيء مما سوى الوجه والكفين منها مكشوفا فإن كان قليلا جاز وإن كان كثيرا لا يجوز وسنذكر الحد الفاصل بينهما إن شاء الله تعالى ، وهذا في حق الحرة فأما الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس يجوز ; لأن رأسها ليس بعورة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية