الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثالث عشر : الزيادة . كقوله - تعالى - : ليس كمثله شيء ( الشورى : 11 ) ذكره الأصوليون . وللنحويين فيها قولان :

أحدهما أن " مثل " زائدة والتقدير ليس كهو شيء .

والثاني وهو المشهور أن الكاف هي الزائدة وأن " مثل " خبر ليس ولا خفاء أن القول بزيادة الحرف أسهل من القول بزيادة الاسم .

وممن قال به ابن جني والسيرافي وغيرهما فقالوا المعنى ليس مثله شيء والكاف زائدة وإلا لاستحال الكلام لأنها لو لم تكن زائدة كانت بمعنى مثل وإن كانت حرفا فيكون التقدير ليس مثل مثله شيء وإذا قدر هذا التقدير ثبت له مثل ونفي الشبه عن مثله وهذا محال من وجهين .

أحدهما أن الله - عز وجل - لا مثل له . والثاني : أن نفس اللفظ به محال في حق كل أحد ، وذلك أنا لو قلنا : ليس مثل مثل زيد ، لاستحال ذلك ؛ لأن فيه إثبات أن لزيد مثلا ، وذلك يستلزم جعل زيد مثلا له ؛ لأن ما ماثل الشيء فقد ماثله ذلك الشيء ، وغير جائز أن يكون زيد مثلا لعمرو ، وعمرو ليس مثلا لزيد ، فإذا نفينا المثل [ ص: 392 ] عن مثل زيد ، وزيد هو مثل مثله ، فقد اختلفنا . ولأنه يلزم منه التناقض على تقدير إثبات المثل ؛ لأن مثل المثل يصح نفيه ضرورة كونه مثلا لشيء وهو مثل له .

وأجيب عن الأول بأنا لا نسلم لزوم إثبات المثل ، غاية ما فيه نفي مثل مثل الله ؛ وذلك يستلزم ألا يكون له مثل أصلا ، ضرورة أن مثل كل شيء فذلك الشيء مثله ، فإذا انتفى عن شيء أن يكون مثل عمرو انتفى عن عمرو أن يكون مثله .

وأما الثاني فهو مبني على أن هذه العبارات يلزم منها إثبات المثل ، ونحن قد منعناه ، بل أحلناه من العبارة .

وقيل : ليست زائدة إما لاعتبار جواز سلب الشيء عن المعدوم ، كما تسلب الكتابة عن زيد وهو معدوم ، أو بحمل المثل على المثل ، أي الصفة ، كقوله - تعالى - : مثل الجنة ( الرعد : 35 ) أي صفتها ، فالتقدير : ليست كصفته شيء .

وبهذين التقديرين يحصل التخلص عن لزوم إثبات مثل وإن لم تكن زائدة . وأما القائلون بأن الزائد " مثل " وإلا لزم إثبات المثل ، ففيه نظر ، لاستلزام تقدير دخول الكاف على الضمير ؛ وهو ضعيف لا يجيء إلا في الشعر ، وقد ذكرنا ما يخلص من لزوم إثبات المثل .

وقيل : المراد الذات والعين ، كقوله : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( البقرة : 137 ) ، وقول امرئ القيس :


على مثل ليلى يقتل المرء نفسه

فالكاف على بابها ، وليس كذاك ، بل المراد حقيقة المثل ليكون نفيا عن الذات بطريق برهاني كسائر الكنايات . ثم لا يشترط على هذا أن يكون لتلك الذات الممدوحة مثل في الخارج حصل النفي عنه ؛ بل هو من باب التخييل في الاستعارة التي يتكلم فيها البياني .

فإن قيل : إنما يكون هذا نفيا عن الذات بطريق برهاني أن لو كانت المماثلة تستدعي المساواة في الصفات الذاتية وغيرها من الأفعال ، فإن اتفاق الشخصيتين بالذاتيات لا [ ص: 393 ] يستلزم اتحاد أفعالهما . قيل : ليس المراد بالمثل هنا المصطلح عليه في العلوم العقلية ، بل المراد من هو مثل حاله في الصفات المناسبة لما سيق الكلام له ، وليس المراد من هو مثل في كل شيء ؛ لأن لفظة " مثل " لا تستدعي المشابهة من كل وجه .

وقال الكواشي : يجوز أن يقال : إن الكاف ، ومثل ليسا زائدتين ، بل يكون التمثيل هنا على سبيل الفرض ، كقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) وتقدير الكلام : لو فرضنا له مثلا لامتنع أن يشبه ذلك المثل المفروض شيء ، وهذا أبلغ في نفي المماثلة .

وأما قوله - تعالى - : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ( البقرة : 137 ) فقيل : إن " ما " فيه مصدرية ، وهذا فيه نظر ؛ لأن ما لو كانت مصدرية ، لم يعد إليها من الصلة ضمير ، وهو الهاء في : ( به ) لأن الضمير لا يعود على الحروف ولا يعتبر اسما إلا بالصلة ، والاسم لا يعود عليه ما هو صفته إذ لا يحتاج في ذلك إلى ربط .

وجوابه أن تكون " ما " موصولة صلتها : آمنتم به ( البقرة : 137 ) . وقيل : مزيدة ، والتقدير : فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، أي بالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما جاء به الأنبياء . وقيل : إن مثلا صفة لمحذوف تقديره : فإن آمنوا بشيء مثل ما آمنتم به ، وفيه نظر ، لأن ما آمنوا به ليس له مثل حتى يؤمنوا بذلك المثل .

وحكى الواحدي عن أكثر المفسرين في قوله - تعالى - : فأينما تولوا فثم وجه الله ( البقرة : 115 ) أن " الوجه " صلة ، والمعنى : فثم الله يعلم ويرى ، قال : والوجه قد ورد صلة مع اسم الله كثيرا ، كقوله : ويبقى وجه ربك ( الرحمن : 27 ) ، إنما نطعمكم لوجه الله ( الدهر : 9 ) [ ص: 394 ] كل شيء هالك إلا وجهه ( القصص : 88 ) . قلت : والأشبه حمله على أن المراد به الذات ، كما في قوله - تعالى - : بلى من أسلم وجهه لله ( البقرة : 112 ) وهو أولى من دعوى الزيادة .

ومن الزيادة دعوى أبي عبيدة يسمعونكم إذ تدعون ( الشعراء : 72 ) أن ( إذ ) زائدة . وقوله : ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ( آل عمران : 50 ) . وقوله : وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( المؤمن : 28 ) وقد سبق .

التالي السابق


الخدمات العلمية